جمهورية عفرين
يلف الغموض العملية العسكرية التي بدأها الجيش التركي الاسبوع الماضي في شمال سورية نحو مدينة عفرين وجوارها، وتقول أنقرة إن العملية العسكرية تستهدف مواقع تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، بينما تردد وسائل الإعلام الكردية إن الحملة أسقطت قتلى وجرحى بين المدنيين، فيما تبدو مواقف العديد من القوى الدولية والاقليمية غامضة ومراوغة بين التأييد المبطن والدعوة الى ضبط النفس وابقاء العملية في حدود ضيقة.
وفي الوقت الذي يذهب الخطاب السياسي التركي الى ان العملية العسكرية ترمي الى حماية التراب الوطني السوري ومنع التفرد الكردي في المنطقة سربت المصادر التركية أنها ابلغت الحكومة السورية في دمشق بهذه العملية في حين رفضت الحكومة السورية ان يكون لديها اي علم مسبق بالعملية التي وصفتها بـ "عدوان وحشي". والمثير في الامر ان الروس قد سحبوا قواتهم القريبة من مواقع العمليات العسكرية واكتفوا بالإعراب عن قلقهم من فتح جبهة عسكرية جديدة، أما الولايات المتحدة التي احتفظت طوال معظم مراحل العمليات العسكرية في تاريخ الازمة السورية بدعمها المتواصل لوحدات حماية الشعب الكردي فقد اكتفت هي الاخرى بدعوة الاتراك الى ضبط النفس على الرغم من تصريح وزير الدفاع الاميركي ان انقرة ابلغت واشنطن بالعملية مسبقا.
العملية التركية الجديدة التي اطلق عليها اسم "غصن الزيتون" هدفها المعلن إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كلم وهي في القراءة الاولى استمرار للاستراتيجية التركية التقليدية في منع الاكراد من تحقيق اي سلطة على الارض في مقابل الحدود التركية، وفي القراءة الثانية ترى وجهات نظر اخرى ان غصن الزيتون التركي ممدود هذه المرة الى دمشق وأن المهمة التي ينفذها الجيش التركي هي عربون بداية صفحة جديدة مع النظام السوري الذي بات من الواضح انه صاحب الكلمة الاخيرة في نهاية اليوم السوري الدامي الممتد منذ اكثر من ست سنوات.
الاتراك يسيرون بعمليتهم العسكرية بطمأنينة وسط شبه تفاهم دولي على ما يجري، وهو ما تثبته تصريحات الرئيس التركي الاخيرة (الجمعة) والتي قال فيها ان عمليات جيشه سوف تستمر الى الحدود العراقية لتأمين حدود بلاده من التنظيمات التي وصفها بالارهابية، وعلى الرغم من الاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها تركيا لمنع الاكراد من تحقيق اي مكاسب اقتصادية في عفرين وجوارها إلا أن المصادر التركية تتحدث عن أن سلطة الاكراد هناك تجني ملايين الدولارات يوميا من مصادر متعددة، ما مكّنهم خلال الفترة الماضية من خلق سلطة مستقلة بالمعنى الواقعي.
تأتي هذه التطورات في سياق تفاهمات اكبر يبدو انها الساعة الاخيرة في الازمة السورية بعد الحديث عن الوصول الى صيغة لدستور سوري يسحب الكثير من الصلاحيات من منصب الرئاسة ويفتح المجال امام لامركزية واسعة في الاقاليم، هنا نفهم هذه التطورات في الصراع على النفوذ الاستراتيجي على الارض؛ السؤال المهم هل يبقى تقاسم الادوار الناعم بين الروس وحلفائهم وبين الولايات المتحدة وحلفائها بالطريقة التقليدية وتحديدا بعد اعلان الادارة الاميركية مؤخرا رغبتها في الاحتفاظ بوجود عسكري طويل المدى في سورية، أم أن المدافع التركية تشير الى صيغ جديدة؛ لاحظنا ذلك في تحرير كل من الموصل والرقة، هناك قرابة ثلاثة آلاف جندي أميركي في شمال سورية الى جانب قوات سورية الديمقراطية، سيجد الاكراد انفسهم قريبا اقرب الى فكرة التعامل مع النظام في دمشق، ومع هذا من المتوقع ان تبقى القوات الاميركية لأطول فترة ممكنة لتشكل حالة ردع لكل من الاتراك والاكراد معا.
الغد 2018-01-27