قاموس الصهاينة وقاموسنا
مصطلحات الخطاب السياسي هي انعكاس أساسي لجوهر الموقف، وهذا ما يحرص عليه العدو الصهيوني في خطابه الرسمي، وفي صياغة الإعلام الرسمي العام لديه. وهذا ما يطغى تقريبا كليا على وسائل الإعلام الخاصة والحزبية، بينما الاستثناءات عندهم قليلة جدا وهامشية. وفي المقابل، فإن إعلامنا العربي، وحتى في نواحٍ ليست قليلة في الخطاب السياسي، هناك إهمال شديد في الحرص على المصطلحات والصياغات، في ما يتعلق بالكيان الإسرائيلي وسياساته. وتجد في محيطنا ترديدا لما تسوقه الصهيونية من مصطلحات لتشويه الحقيقة.
فعلى سبيل المثال، منعت السلطات الإسرائيلية الإعلام الرسمي منذ ما يقارب 40 عاما، من التداول بمصطلح "الضفة الغربية"، وإنما "يهودا والسامرة". وفي لغة القانون الإسرائيلية تسمى "المنطقة"، وفي "أحسن الأحوال"، يسميها بعض الإسرائيليين "المناطق". كذلك في كل الإعلام الإسرائيلي، كل مقاوم فلسطيني، من متظاهر أعزل كليا، مرورا بضارب حجر، وحتى منفذ عملية، هو "مخرب"، وهو "ارهابي". والاستثناءات لديهم هامشية.
وقبل أكثر من خمس سنوات، ظهر وزير المواصلات يسرائيل كاتس في مبادرة، لشطب كل التسميات العربية للمدن والبلدات الفلسطينية، في لافتات الشوارع. وكتابتها بموجب التسمية العبرية، بأحرف عربية، وهذا المشروع فشل، ولكننا حتى الآن نرى لافتات بالعربية، تقول "عكو" وليس عكا، أو "لود" وليس اللد، و"نتسرات" وليس الناصرة. أما نحن فليس لدينا ما نزيّفه، أو نختلق له تسمية وهوية أخرى، بل هذه فلسطين، التي لها أسماؤها وتعريفاتها الأصيلة، ولن تقوى عليها كل التشويهات الصهيونية.
وفي ما يلي عينات مما يجري تداوله في بيئتنا: "الشعب اليهودي"، بقصد "الشعب اليهودي في العالم"، وهذه بدعة اختلقتها الصهيونية في القرن التاسع عشر، لتبرر وجودها، وتبرر مخططها الاستعماري في فلسطين. وما يسمى "قانون القومية" الذي دخل مسار التشريع في الكنيست في الأشهر الأخيرة، بضغط من شخص بنيامين نتنياهو، يدّعي أن فلسطين التاريخية، هي "وطن الشعب اليهودي في العالم"، لتثبيت هذه البدعة.
ومن المثير جدا، أنه في حين أن جهات يهودية، وخاصة دينية متزمتة، وجهات يسارية تقدمية مناهضة للصهيونية، ترفض هذه المقولة، كل لتفسيراتها، وتؤكد أن لا وجود "لشعب يهودي في العالم، وإنما ديانة يهودية، فإننا نجد في البيئة العربية الواسعة من يردد "شعب يهودي"، وبذلك يكون قد ابتلع الخرافة الصهيونية، وبدعتها، على حساب الموقف من فلسطين.
كذلك، "مستوطنات غير قانونية"، إذ تسمع هذا المصطلح يتم ترديده في الإعلام العربي. والقصد هنا، البؤر الاستيطانية، التي أقامتها عصابات المستوطنين. وجاءت تسمية "غير قانونية"، من حكومات الاحتلال، لتقول للعالم، إن المستوطنات الأخرى التي أقامتها بقرارات حكومية "هي قانونية"، ولذلك فهي "شرعية". لذا فإن مصطلح "مستوطنات غير قانونية"، يتعارض مع الموقف السياسي والوطني، بأن لا شرعية للاحتلال وكل استيطانه.
ومصطلح آخر، منتشر بالذات في وسائل الإعلام الفلسطينية، وهو تسمية جنود الاحتلال في القدس المحتلة، على أنهم "شرطة"، وفي أحسن الأحوال "شرطة احتلال". ففي الدول الطبيعية، فإن مهمة الشرطة مدنية كليا، وحينما يتحدث الاحتلال عن "شرطة" في القدس، فهذا نابع من قانون الضم، ولهذا فلا مكان لتسمية عناصر الاحتلال في القدس، ولا في أي مكان آخر في الضفة، على أنهم "شرطة"، بل كل عناصر الاحتلال هم جيش.
وواحدة من مآسي التسميات، "وزير الدفاع الإسرائيلي". بداية، فإنه حسب التسمية الإسرائيلية الرسمية، فلا يوجد وزير "دفاع"، بل "وزير أمن". أما من ناحيتنا، فإن هذا الوزير مكلف بتطبيق سياسات الحرب والاحتلال والاستيطان، لذا فإن تسميته الوحيدة "وزير حرب". وفي هذا الاطار، نلمس خبثا شديدا في فضائيات كبيرة، بتجنبها لذكر "جيش الاحتلال"، وتكتفي بذكر "الجيش الإسرائيلي". وسألت يوما مراسلا عن سبب هذه التسمية، فأجابني: "نحن صحافة موضوعية"، ولم يكن ردي لطيفا.
وفي نفس السياق، "وزير العدل"، وأيضا حسب التسمية الإسرائيلية الرسمية، لا يوجد وزير "عدل"، بل "وزير قضاء". فأي "عدل" من الممكن أن يكون لدى وزير، من مهماته قوننة الاحتلال وجرائم القتل وذبح شعب بأكمله.
فلماذا يتطوع بعضنا لتجميل تسميات حكومة الاجرام الإسرائيلي؟. لقد آن الأوان لوضع حد لهذه الفوضى الخطيرة في الإعلام العربي، وايضا في الخطاب السياسي، كي تكون التسميات والمصطلحات بما يتطابق مع الموقف.
الغد 2018-01-27