احترامي للحرامي
الله يرحم أيام ما كانت أكبر مشاكل الأردن الرعي الجائر، وانتشار الذباب في الأغوار، وإقناع أرباب الأسر بتعليم البنات.
بينما اليوم نصحو على سطو مسلح على البنوك، وانهيار الجدران والطرقات، وإقناع أحدهم أن لا ينتحر أو يحرق نفسه بكاز.
اليوم الذي لا يحدث فيه سطو أصبحنا نشك أن منفذي السطو قد أتفقوا على أن يكون يوم عطلتهم الرسمية من كل أسبوع، وقد يصبح عدد منفذي السطو على البنوك أكثر من عدد منفذي عطاءات وزارة الأشغال العامة، والبنك الوحيد الذي قد يتباهى أنه لم يتم السطو عليه هو فقط بنك الدم!
حادثة السطو الأولى كانت ساذجة، وكان الحرامي غير مؤهل ولا يملك الخبرات التي تؤهله لأن يسطو على خم دجاج وليس على بنك، فقد دخل على البنك وكأنه داخل على خم ، فلم يغطِ وجهه وكان قد زين شعره بجِل وكأنه يريد تزبيط بنت وليس تشليح بنك، فتم البحث عنه وإلقاء القبض عليه بأقل من ساعة مع أن البحث عن فردة حفايتك الأخرى في المنزل في بعض الأحيان يحتاج إلى ست ساعات!
تم التعاطف مع هذا الحرامي وتوجيه النصائح له بأن يبدأ مسيرته المهنية بسرقة جرة غاز لا بنك، فقد كان يجهل أنه حتى دوالي العنب أصبح عليها كاميرات مراقبة بحيث طلب من سائق السيارة التي يركبها أن يقف له أمام البنك فكان عدد الكاميرات التي التقطت صورا له أكثر من عدد الكاميرات التي التقطت صورا لترمب بحفل تنصيبه، أخذ المصاري وبدل أن يذهب الى مغارة أو خرابة ليتخفى لأيام ليراقب إن تم اكتشافه أم لا، عاد للمنزل مباشرة وكأنه كان ذاهبا لشراء بطاطا وليس لسرقة بنك.
الثاني كان أكثر حنكة وذكاء من الأول، فقد نفذ عملية السطو على أكمل وجه وأستفاد من أخطاء الأهبل الأول، عاجلا أم أجلا سيتم إلقاء القبض عليه ولكن، يبقى الفرق أن الأول لم يسعفه الوقت حتى لشراء بكيت دخان من مصاري البنك، بينما الثاني أعتقد أنه الآن يتبغدد بالمصاري ويأكل مشاوي وقد يكون قام برحلة نقاهة الى العقبة.
الحرامي الأول لاقى تعاطفا من الناس، فهو لم يرَ المصاري، بينما الثاني لاقى احتراما من الناس، فقد رأى المصاري ورأى العقبة والمشاوي.
يقول المثل: ديرة مافيها أخوالك لوّح فيها بسروالك، أي أفعل ماشئت طالما لن تلقى العتاب أو العقاب، بعد حادثتي السطو كلي خوف من حجم التعاطف الشعبي معهم وكأنهم حصلوا على وظيفة ولم يرتكبوا جريمة، فالديرة من قبل سرقت من أسيادها فلوحوا لنا بالمناصب وتوزيع المكاسب وتعيين الأبناء دون خوف من العتاب أو العقاب.
نعم طالما الجويدة ستبقى محرمة على ناهبي المال العام، سنلقى دائما تعاطفا مع ناهبي البنوك، وطالما جاكرت الحكومة الشعب بفرض مزيد من الضرائب، سنلقى مستقبلا تعاطفا حتى مع فارضي الخاوات، وطالما لم نشعر مع الفقراء حتى بالخبز، سنجد من يشعر ويبكي عند إلقاء القبض على أي لص.
لم يكن تعاطفا مع السارقين، بقدر ماهو تنفيس لحالة الاحتقان الشعبي ضد قرارات الحكومة التي تستهدف دائما جيوب الشعب بينما تعجز عن محاسبة من سرق الشعب.
الغد 2018-01-28