تيلرسون وترمب والعالم العربي
ما زالت الاسئلة تطرح في امريكا حول مستقبل العلاقة التي تجمع وزير الخارجية تيلرسون بالرئيس الامريكي ترمب، كان آخرها مقال يقارن تيلرسون بوزير خارجية الرئيس الامريكي ريغن «الكسندر هيج» الذي بقي في منصبة 18 شهرا قبل ان يستقيل ويضيق ذرعا بعلاقته المتوترة مع الرئيس، وليحل محله جورج شولتز في حينها.
فالمعركة الدائرة في امريكا الان على اشدها، خصوصا بعد التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات، والتي كان آخر مستجداتها استدعاء ترمب للتحقيق، امر لم يعد مستعجلا في ظل المعركة التي اندلعت باتهام جهاز الامن الفدرالي FBI الانحياز في التحقيقات لغير صالح ترمب؛ امر تفاقم بعد موافقة ترمب على الافصاح عن وثيقة تؤكد تورط جهاز الـFBI في التجسس على حملته في مراحلها الاولى، فضلا عن مراسلات متبادلة بين موظفي الوكالة الفدرالية تثبت عَداءهم له ولحملته.
الاهم من ذلك ان الصحافة الامريكية تتهم جون كيري بالتخابر مع الفلسطينيين؛ اذ انه لا يحمل اي صفة رسمية تسمح له بذلك وهو خرق للقانون الامريكي؛ اذ التقى مسؤولاً فلسطينياً «الاغا» في لندن، وحرضه على عدم الخضوع لإدارة ترمب، ودعاه إلى مهاجمته، وعدم مهاجمة امريكا في المقابل، بحسب ما اوردته صحيفة الجورسليم بوست، وعلقت عليه الصحافة الامريكية.
الهجمات والهجمات المضادة في امريكا من قبل التيارات المتصارعة لم تمنع الادارة الامريكية والولايات المتحدة من تحقيق مكاسب كبيرة في العالم العربي فاقت النصف ترليون دولار، وهنا تكمن المأساة الحقيقية؛ اذ لم يستفد العرب من هذه التصارع إنما كانوا كعادتهم الخاسر الاكبر منه، وكان مقولة القابلية للاستعمار ستتحكم في مسار حياتهم الى الابد.
فعلى الرغم من هذه الصورة الدرامية التي تتنبأ بإمكانية استقالة تيلرسون مستقبلا من منصب وزير الخارجية، الا ان المتابع لأداء وزير الخارجية يجد قدرا من التماهي والتوافق في اجندة الرئيس ووزير خارجيته، خصوصا تجاه المنطقة العربية؛ اذ يعزى الفضل إلى ترمب بجني مبالغ طائلة من المنطقة العربية قدرت بـ 450 مليار دولار من العربية السعودية لوحدها، مستفيدا من قانون جاستا وامكانية تفعيله، في حين تمكن تيلرسون من اضافة ما يقارب الـ 75 مليار دولار بعد الحوار الاستراتيجي الذي اجراه مع دولة قطر، مستفيدا من ضغوط دول الحصار وتهديدات ترمب وتلميحاته إلى ان قطر متورطة في دعم الارهاب؛ فما حققته امريكا الى الان من المنطقة العربية لوحدها فاق الـنصف ترليون دولار.
سياسة ترمب آتت أكلها، وتساوق معها تيلرسون، موحياً ببداية حقبة جديدة في ادارة العلاقات الخارجية الامريكية التي امتدت لتشمل اليابان؛ إذ جنت امريكا ما يقارب من 450 مليار اخرى من اليابان لاستثمارها في البنية التحتية الامريكية؛ انجازات بات ترمب يعول عليها كثيرا لإقناع الامريكان بجدوى انتخابه.
في ضوء هذه الصورة المتشكلة لعملية رسم معالم السياسة الخارجية الامريكية، والمرتبطة اشد الارتباط بالمعركة الداخلية في امريكا؛ فان النتيجة تقول بوضوح بأن العالم العربي يتفاعل بطريقة سلبية جدا مع التحولات الحاصلة في امريكا بشكل جعله مجرد أداة في معركة داخلية لا ناقة للعرب او جمل فيه؛ فالعرب كما قال مالك بن نبي «لديهم قابلية للاستعمار» الذي ما زال يتفاعل في بقوة لرسم السياسات العامة في بلدانهم التي لم تستطع الى الان ان تفك علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع امريكا.
السبيل 2018-02-04