الإسوارة بدل الكلبشات
غابت الفتاة عن الوعي رعبا وقد رأت رجال الشرطة يدخلون غرفتها في المستشفى ويقولون لها انها موقوفة وسيتم نقلها بعد خروجها الى سجن الجويدة، ورأت شرطية تقوم بإخراج القيود المعدنية ( الكلبشات) لتكبيلها الى السرير. تدخّل أهل الفتاة وادارة المستشفى للحيلولة دون هذا الاجراء الغريب وبعد مشادّات قبلت الشرطية على عاتقها وضع القيد في السرير دون ادخال يد الفتاة فيه ومنع اي أحد باستثناء الشرطية من التواجد في الغرفة ومنع وجود الخلوي واي اجهزة اتصال باعتبار الفتاة موقوفة.
لماذا كل ذلك؟ لا شيء؛ الفتاة كانت طرفا في حادث سير بين سيارتها وسيارة اخرى وتم عمل كروكا وكان يمكن ان تسير الأمور بصورة عادية وفق القانون ونظام التأمين لكن الطرف الآخر تقدم بشكوى لدى مركز الأمن لأن الابن الحدث الذي كان مع السائق يشكو من كتفه وفي المستشفى ظلّ يرفض ان يقترب منه الطبيب ليكشف حالته المفترض انها خلع في الكتف، وبقي هكذا الى ان قام ذوو الفتاة المرعوبون من توقيف الصبية ذات العشرين عاما بدفع 4 آلاف دينار عدا ونقدا ليقوم الطرف الآخر بسحب الشكوى وغادر الصبي المستشفى سالما غانما. وبالسؤال من ذوي الفتاة لمعارف في الأمن عن الطرف الآخر اتضح انهم من اصحاب الأسبقيات الكثيرة وتم نصح ذوي الفتاة بدفع المبلغ والخلاص من هذه الورطة مع هؤلاء الناس!
بدا لي من تفاصيل القضية ان الحادث مفتعل لكن بطريقة جديدة غير القاء الشخص نفسه أمام السيارة والتي باتت مكشوفة للجميع، في حادث تصادم عادي سيكون ممكنا توقيف الطرف الآخر بمجرد تقديم شكوى عليه والفوز بمبالغ تفوق كثيرا الخمسين أو مائة دينار المعهودة. وأن تكون السائق صبية فهو اغراء مضاعف اذ لا يطيق الأهل المحترمون سجن ابنتهم دقيقة واحدة. وعلى كل حال بافتراض ان الحادث لم يكن مفتعلا فأي منطق في اصدار قرار بتوقيف فتاة بسبب شكوى وممارسة مظاهر الضغط الغريبة هذه؟! حتى في حوادث سير أخطر اذا لم تكن دهسا يتم اللجوء سريعا الى تكفيل السائق اذا كانت فتاة.
لا يختلف الأمر هنا عما تحدثنا عنه مرارا وتكرارا في موضوع الشكاوى الكيدية والتوقيف التلقائي الذي جعل من الشرطة، من حيث لا تريد، طرفا في الأمر، وكل الأطراف الأمنية والقضائية تعرف هذه الحقيقة، وكنت اتعجب ولا زلت كيف لا تعالج الجهات الأمنية والقضائية معاناة المجتمع من هذه الظاهرة.
لقد قام مجلس النواب باجراء بعض التعديلات القانونية في قضايا التوقيف والشكاوى الكيدية ووضع تشديدات لمنع التوظيف الكيدي للتقارير الطبية لكن في التطبيق لم يتغير شيء وظهر لنا أمل أخير في مشروع السوارة الالكترونية التي تغني عن التوقيف وتسمح للعدل أن يأخذ مجراه دون اضطرار الناس المحترمة للتنازل عن حقوقها أو دفع "الخاوات" تجنبا للتوقيف. والتوقيف سيف مسلط على الرقاب ليس في الشكاوى الكيدية فقط بل في الكثير من القضايا والنزاعات ومنها المالية، ونفهم أنها أيضا اداة ضغط على الجانب الآخر الذي يمارس النصب والاحتيال والزعرنة لكن هؤلاء دائما اشطر في استخدام هذه الأداة لمصلحتهم.
وأمس كدت أن أطلق زغرودة وأنا أقرأ أن استخدام الإسوارة الإلكترونية سيدخل حيز التطبيق في آذار القادم عسى ان تكون الحل الذي عجزنا عنه على مدار السنوات الفائتة.
الغد 2018-02-09