(ما بعرف مين أنا!)
-1-
في الدعاية المتكررة لمسلسل تركي تبثه إحدى قنوات الترفيه العربية، تتكرر عبارة يعيدها ويزيدها «البطل» الذي فقد ذاكرته في حادث سير، العبارة هي «ما بعرف مين أنا» ولكثرة ترديد هذه العبارة، بدأت تتسلل إليّ على نحو غير واع، وبدأت بين حين وآخر أرددها، مرة بيني وبين نفسي، ومرات بصوت مسموع، وفي كل مرة أردد فيها هذه العبارة أزداد يقينا أنني لا أنا ولا غيري يعرف من هو على نحو يقيني، ولا يمكن لأحدنا أن يعرف من هو إلا من خلال مرآة بشرية، يتعرف من خلالها على نفسه، ويعيد اكتشافها، وقد يصل الأمر إلى مرحلة إعادة احترام ذاته، بسبب اكتشاف تلك المرآة البشرية كنه هذه الذات، وإخراج أحسن ما فيها!
-2-
ثمة اختبار طريف لمعرفة الذات، مستخلص من فلسفة يابانية شهيرة في علم النفس، تقوم على ما يشبه «اللعبة» وهي غير مسلية، ولكنها قد تكون مفيدة، لمعرفة حقيقتنا الداخلية، «تخيلوا أنكم أموات، ولكن روحكم باقية على قيد الحياة. تحت أي شكل ستظهر روحكم بعد موت جسمكم؟»
الصورة الأولى: تملك تقديراً جيداً لنفسك. تتقبل مزاياك وكذلك أخطاؤك، وتبقي حالتك الفكرية تحت السيطرة تماماً. أنت شخص متوازن، مثقف، تملك ثقة كاملة بالنفس، وتتلقى الكثير من الحب من الأشخاص الآخرين.
الصورة الثانية: لديك الشعور بأنك شخص غير كامل ولست راضياً عن نفسك. لديك إحساس أنك لم تحقق الكثير من الأشياء. من الصعب عليك أن تتألق كفرد، لكن حاول أن تتبنى عادات سليمة، لا داعي للخوف او للهلع، يكفيك ببساطة أن تعرف أهدافك وأن تقبلها.
الصورة الثالثة: تميل بطبعك للتشكيك، لديك العديد من الصفات التي تستطيع أن تفتخر بها، لكنك مع هذا كثيراً ما تضع قيمتك ككائن إنساني موضع تساؤل. أنت تفتش عن الكمال في كل شيء وتدفع ثمن هذا في كل مرة. الكمال غير موجود ! أحياناً، من المهم أن تقبل نفسك كما أنت وهكذا يصبح من الأسهل كثيراً عليك أن تتقبل أخطاءك.
الصورة الرابعة: الثقة شيء يقلقك كثيراً، لأنك شخص عميق جداً وحكيم بشكل لا يصدق. من الصعب جداً أن تقارن نفسك مع أي شخص كان؛ لأن ما يشغلك هي أمور مثل تقدير الذات. أنت الشخص الأكثر حياداً بين كل الناس. أنت لا تقارن نفسك بالآخرين. أخطاؤك لا تزعجك أكثر مما هي ونقاط قوتك لا تثير إعجابك أكثر مما هي.
-3-
أنت قد لا تكون أيا من تلك الصور/الحالات، وقد تكون صورة منتقاة من بعض عناصر تلك الصور، ولكن ما هو مهم بالقطع أن كل ما قلنا أعلاه ليس مهما، الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق، أن تعرف جيدا أنك متصالح مع نفسك، وأنك تحترمها جيدا، وليس مهما بعد هذا إن كنت نعرف من أنت أم لا فما هو مهم حين تنظر إلى المرآة، أن تشعر باحترام من ترى، والأفضل أن بفخر أنك أنت أنت!
-4-
بقيت كلمة..
المحظوظ حقا في هذه الحياة، هو ذلك الشخص الذي يعثر على شريك يتقن إعادة تعريف ذاته، وإخراج أفضل ما فيها، ولا أجد أقرب إلى هذا الفهم من الأثر النبوي الشريف القائل: المؤمن مرآة أخيه!
الدستور 2018-02-09