أحمد جرار والطائفة المنصورة
القدس بؤرة البركة ومدينة الأنوار والأسرار، احتلت وفتحت 27 مرة، كلها ما عدا واحدة جاءت عبر مرج بني عامر ابتداء من بيسان وانعطافا إلى جنين وصولاً إلى جبل المشارف (سكوبس) المطل على شمال القدس.
أسكن الفاروق عمر بني عامر في السهل إياه لحماية المجال الحيوي لبيت المقدس ،ولاذ به الشيخ محمد الزبن قبل نحوثلاثة قرون عقب هجرتة من قصر القسطل البلقاوية، وبعد مجابهات صعبة في المحيط عاد الشيخ محمد ليجر جموعا جرارة أسس من خلالها حضورا قويا في جنين والسهل والبقاع المحيطة، وكان مخلصا للدولة العثمانية مواجها للمتمردين والمتجاوبين مع المال السياسي القادم من وراء البحار، وعلى مدار قرون وعقود متتالية استطاع آل جرار الاسهام مع العشائر الأخرى في البناء الأسطوري لصورة جبل النار في مناطق شمال الضفة وبؤرتها نابلس والمدن والبلدات المجاورة .
عشائر كثيرة بزغ نجمها ثم سرعان ما عاد إلى الأفول، وأما جرار لا زالوا شمس الضحى وشعاع الجهاد وعناوين الاستشهاد ورواد الإرفاد وطلائع الامداد، ففي كل عقد لهم بطولة وفي كل منعطف لهم مجاهدات، ليس منا من ينسى بطولات الشيخ يوسف جرار والشيخ عبدالله والشيخ داوود في بدايات القرن التاسع عشر .
أبدا لا ننسى جولات سلطان البر يوسف جرار في مواجهة جيش نابليون بونابرت الساعي لبناء دولة يهودية في فلسطين والذي أعطى وعدا بإنشاء وطنا قوميا لليهود في فلسطين أثناء حصار عكا في 20 / 4/ 1799.
لقد كان ثنائي الجزار والجرار حاسما في تأخير ضياع فلسطين إلى أن جاء المشبوة المجرم ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا في عام 1830م يقود جيشا مصريا بناه سليمان الفرنساوي!!!!!!! ليعيث فساداً في فلسطين وليمكن لليهود بمساعدة الطوائف كافة وليغير الديموغرافيا ويكيف الجغرافيا، ويعطي الفرمانات ويؤسس لقوانين السيطرة اليهودية المتدرجة، فكان آل جرار وشيوخهم في مقدمة من تصدى لهذه الهجمة الدموية المتوحشة التي أفنت النخبة الفلسطينية ودمرت القلاع والحصون وأبقت فلسطين مكشوفة ولكن "صانور" جرار بقيت متماسكة ومنيعة، حتى هاجمها لواء المردة من موارنة لبنان الكاثوليك عام 1868م فكشف آل جرار عن بطولات تليق بصدق جهادهم وعراقة قيمهم ،فكانت نساء جرار تقذف بألاغطية واللحافات المبللة بالزيت المحروق من أعالي أسوار قلعة صانور المنيعة والتي بناها محمد واستكملها الشيخ يوسف في 1790م، وبقيت سلسلة الجهاد متصلة في كل الحقب وبخاصة ضد الانجليز، اما في موقعة جنين 3/ 6/ 1948م فكان نصيب جرار وحدهم عشرات الشهداء ناهيك عن مجاهدات رموز جرار مثل فتحي شافع ونادرة شافع ورضوان وفواز وفوزي جرار.
وأما في الانتفاضات الأخيرة فلم يتأخر الجرار عن مكانهم في مقدمة الصفوف، حيث أسهموا في معركة مخيم جنين الأسطورية مع ريحان وأبو حلوة والطوالبة وغيرهم من سادات الشهداء، الذين طاردوا الشهادة حتى قرعوا بجماجمهم أبواب الجنان التي انفتحت على نصر أذل جيش شارون في مخيم جنين أنبل مخيم من67 مخيما من مخيمات اللجوء الفلسطيني .كان جمال كجعفر الطيار بيد واحدة وزوجته الصابرة متحدية المرض ولا زالت، ولكنها قدمت أبناءها لاحقا وآخرهم الشهيد حمزة الذي تعلق بأهداب بطولته الجيل الجديد في جنين ومحيطها رغم الاستهداف.
أما أسرة الشهيد نصر أبو أحمد جرار فتلك بانوراما رائعة رسمها نصر برجله الأولى والثانية ويده، ثلاثة أطراف قطعت ليجدد فينا رسالة مؤتة من جديد بعد طول مجاهدة ومصابرة ومرابطة وسجن واعتقال تلو اعتقال ،بعد طويل جهاد ونضال وأما ام احمد فكانت مدرسة الصبر ومستودع القيم الجرارية المتجذرة في جينات هذه العشيرة المجاهدة على المدى، وكان آخر ابداعاتها تربية ولدها الشهيد أحمد على ثقافة المقاومة ونفس الجهاد وروحية الفداء.
ايها الشهيد المغدور، نم قرير العين فلقد بعثت الهمة في الأمة، وأشعلت شمعة اليقظة بعد سبات، واستنهضت الروح بعد ممات، نم قرير العين فأنت سليل عشيرة لها الصدارة في صفوف الطائفة المنصورة التي بدأت تتشكل بمواصفاتها النبوية الست في بيت المقدس وأحواض البركة من حوله، فأنت ابن أسرة كانت هجرتها لله فربح بيعها إن شاء الله، وأنت في مخيم جنين تاج المخيمات وابن جنين القسام المستهدفة أمنيا ودايتونيا وتنسيقيا بعمق والتي سيكون لها دور مرقوب، وانطلاقة منتظرة بإذن الله .
سلام عليك يا أحمد، سلام على أبيك، سلام على والدتك في عليين يا أبناء الاكرمين.
السبيل 2018-02-10