تاريخ السطو في الأردن
ينقسم الناس اليوم إلى ثلات فئات وهم يتابعون اخبار السطو المسلح وغير المسلح الذي يشهده الأردن وعمان تحديدا منذ أسابيع قليلة؛ الفئة الاولى تتابع ما يجري باهتمام وقلق وتحاول ان تجد تفسيرا لهذه الظاهرة الجديدة، وتذهب مذاهب شتى في تفسير ما يجري، وأغلبهم يرغبون في ربط عمليات السطو بالاوضاع الاقتصادية السائدة وتحديدا بالقرارات الاخيرة بخصوص الضرائب ورفع الاسعار، وضمن هذه الفئة من يحاول ان يجعل من هذه العمليات اسلوبا جديدا في التعبير عن الاحتجاج، اما الفئة الثانية فهي غير معنية كثيرا بالامر وغير مستعدة للانشغال بجدية او ربما هي الاكثر جدية في متابعة الاحداث بل تصورها وكأنها دراما على المسرح. لذا ذهبت إلى مسخرة المشهد وسط مزيج من العواطف التي تجمع مشاعر التضامن مع المجرمين الجدد والقدماء مع مشاعر النقمة من صناع القرار ومراكز الثراء والاسواق، اما الفئة الثالثة فتنظر بريبة وشك للمشهد وتضفي عليه المزيد من الغموض والتشكيك ويطرحون اسئلة حول من يقف وراء هذه الظاهرة ولماذا وكيف؟
ظاهرة السطو المسلح على البنوك بدأت منتصف الشهر الماضي باستهداف احد البنوك التجارية في منطقة عبدون الاكثر ثراء غرب العاصمة ثم تبعتها عملية اخرى في حي الوحدات وهو – كما هو معروف - من اكثر الاحياء فقرا، لتتتابع عمليات السطو المسلح بسرعة مريبة لتشمل بنوكا جديدة ومكاتب للبريد واخيرا صيدليات. وهي ظاهرة لم يشهدها الأردن على الاقل منذ نحو خمسة عقود. يذكرنا الصديق احمد ابو خليل في موقع "زمانكم" بأن اكبر عملية سطو مسلح شهدها الأردن تعود إلى العام 1970 وسط حالة الانفلات الأمني والفوضى التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت حيث تعرضت سيارة تحمل ودائع بنك الأردن، فرع الرمثا المتجهة إلى عمان إلى سطو مسلح وتمت سرقة مبلغ 75 الف دينار، حينها وصفت الصحف تلك الحادثة بأنها الاضخم في تاريخ السطو في البلاد.
الذي لا يكاد يغادر قناعة معظم الناس ان هذه الظاهرة مؤقتة وسوف تذهب إلى الزوال والنسيان، ولكن الذي سننسى ان نتذكره كيف حدثت هذه الظاهرة وكيف انتهت. صحيح هناك فوضى مهنية واكاديمية في قراءة ارقام الجرائم في السنوات الاخيرة، ما يجعلنا اكثر ضبابية في فهم التحولات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع ليس في جرائم السطو المسلحة الطارئة بل وفي الجرائم الاسرية وفي معدلات الطلاق المرتفعة وانتشار المخدرات، لكن الاخطر من ذلك الضبابية السياسية في التقاط الإنذارات الاجتماعية القادمة من القواعد، وضعف القراءة العميقة والمتأنية وعدم إدراك خطورة توظيف العمق الاجتماعي في الازمات.
رغم كل تلك التحولات الاجتماعية القاسية فما تزال المساحة المرتبطة بقيم الامانة والرغبة في الاستقرار ورفض الاستقواء وتحقيق المصالح بالقوة هي الأوسع في التكوين النفسي والاجتماعي للأردنيين، وليس التضامن الزائف مع الحوادث الأخيرة إلا شكلا آخر من اشكال الاحتجاج لا اكثر، هناك ايديولوجيا للتسويغ والتبرير الاجتماعي في مثل هذه الظروف. مرة أخرى علينا ان نقرأ جيدا تاريخ الأحداث المشابهة في الثمانينيات والتسعينيات كيف بدأت وكيف انتهت؟
الغد 2018-02-10