سطو غير مسلح
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ومع توالي الانباء عن حوادث السطو المسلح على المؤسسات والبنوك والمتاجر اخذ البعض يتساءل فيما اذا كانت هذه الحوادث ناتجة عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد او انها بداية لفصل جديد لا نعرف نهايته. الخوف والقلق والتوتر الذي تسببت به الحوادث التي زاد عددها على خمسة عشر حادثا في اقل من شهر لا يأتي من كونها ترتكب من قبل اشخاص يعرفون باحتمالية القبض عليهم ويدركون فعالية تكنولوجيا التصوير والحراسة وعلم الادلة الجنائية الذي تفوق قدراته جميع الوسائل والاساليب التقليدية التي استخدمت حتى نهايات القرن الماضي.
الكثير من القلق جاء من الموقف الشعبي من هذه الحوادث والذي بدا محيرا ومثيرا للدهشة والتساؤل . ففي حادث السطو الذي وقع على فرع أحد البنوك في عبدون ابدى الكثير ممن علّقوا من خلال وسائط التواصل الاجتماعي تعاطفهم مع الجاني والتشفي بالمؤسسات المصرفية والطبقات المترفة، في حين تكاتف المواطنون لإلقاء القبض على مرتكب حادث الشروع بالسطو على فرع البنك العربي في المدينة الرياضية وتمكنوا من إفشال المحاولة.
السطو كلمة لها وقع يولد في النفس الكثير من مشاعر الخوف والقلق ويشير معناها الى بربرية وهمجية السلوك الذي يهدف من خلاله الفاعل الى انتزاع ملكية أو حيازة آخر أو آخرين للمال أو الممتلكات. ويأتي استخدام السلاح في العملية لإرهاب وإرغام المالك إو المالكين للتخلي تحت التهديد عن الملكية او الحيازة لحساب الجاني.
لا تختلف العوامل المهيئة لارتكاب جرائم السطو المسلح عن العوامل الاقتصادية الاجتماعية المرتبطة بالجريمة. لكن ذلك لا يعني أن ارتكابها مقصور على الفقراء والشباب ممن يعانون من التهميش والاحباط والإحساس بالظلم والتمييز وغياب العدالة بل قد يجري ارتكابها من قبل النساء والميسورين والمغامرين والمدمنين على المخدرات والكحول وفي الحالات التي يقع فيها بعض الأفراد تحت تأثير العقاقير والمؤثرات العقلية.
من الناحية الثقافية كان السلب والنهب والتشليح والغزو سلوكا شائعا بين القبائل تتفاخر به وتعتبره مؤشرا على قوتها وسطوتها ونفوذها، وقد عانت الكثير من الجماعات والقبائل من سطوة بعضها حيث كانت القبائل الأكثر قوة تقاسم الضعيفة ثروتها وتسلبها ممتلكاتها وتعتدي على كل ما يخصها. التجار والقوافل والقطعان ورحلات الحج كانت تتعرض للسطو والنهب الأمر الذي دفع بالدولة العثمانية إلى استئجار قوة بعض القبائل واستخدام فرسانها لتأمين طريق الحج لمنع اللصوص وقطاع الطرق والقبائل الغازية من أعمال السطو والنهب التي كانت مكونا من مكونات حياة البادية وأخطارها المعروفة.
في بدايات القرن الماضي وبالتزامن مع نشوء الدولة وبناء قوات البادية كنواة للجيش العربي بسطت الدولة نفوذها على الاراضي وتمكنت من إخضاع الكثير من القبائل والمكونات السكانية لأحكام القوانين الامر الذي أدّى الى تراجع حوادث النهب والسلب والسطو وخلق حالة من الاستقرار والطمأنينة.
اليوم تشكل عودة هذه الظاهرة مصدرا لقلق الجميع ومبعثا للتساؤل عن الأسباب التي أدت الى عودة هذه الممارسات التي اعتقدنا بانها انتهت الى غير رجعة. استمرار ظهور حوادث السطو المسلح يثير الكثير من الأسئلة عن مدى ايمان الناس بشرعية الإجراءات المتخذة ونظرتهم واحترامهم للقوانين والاجراءات التي تمنح الملكيات وتحدد علاقات الناس بوسائل الانتاج وعلاقاته.
في الكثير من الاوساط والمجتمعات المحلية يشكو الناس من ارتفاع الاسعار وغياب فرص التشغيل وتوقف نمو الدخل وتردي الخدمات وتنامي ثروات بعض المتنفذين وأربابهم ولجوء البعض دون تردد الى طلب الرشوة واستغلال الوظيفة العامة للمنفعة الخاصة والتجاوز على حقوق الأفراد لحساب ابناء المتنفذين تحت مسوغات مصطنعة.
من الصعب الفصل بين ما يحدث في مسارح الجريمة من سطو ونهب وتخريب وما يحدث في مؤسساتنا ومجتمعنا على كافة الأصعدة والمستويات.
الغد 2018-02-11