فيصلي ووحدات.. "عقوبة المشاهدة"!

تم نشره الثلاثاء 13 شباط / فبراير 2018 01:01 صباحاً
فيصلي ووحدات.. "عقوبة المشاهدة"!
محمد أبو رمان

قد لا يرى المسؤولون باتحاد كرة القدم في الهتافات المسيئة والمخجلة في مباراة الفيصلي والوحدات الأخيرة أكثر من حالة "طبيعية" ضمن الثقافة العامة لجمهور كرة القدم، ليس فقط في الأردن، بل في دول أخرى، بخاصة في أوساط المتعصّبين لأنديتهم وفرقهم.
وربما الحال نفسها تنطبق على المسؤولين والسياسيين، الذين يرون في التعصب السياسي وراء الفرق أمراً طبيعياً يحدث في دول أخرى من العالم، وبالتالي لا داعي لتحميل الأمر فوق دلالاته.
لكن إذا تجاوزنا هذه الأحكام العامة المعلّبة المسبقة، فإنّ هنالك ملاحظات كمتابع ومشاهد – ولو بنسبة بسيطة- لمباراة الجمعة الماضية بين الفريقين الأردنيين العريقين.
الملاحظة الأولى هي أنّنا نتحدث عن هتافات جماعية بذيئة، يرددها آلاف المتفرجين، ومعهم أحداث وأطفال، بلا خجل ولا أدب، وكأنّ هذه اللغة البذيئة السوقية الساقطة، مقبولة اجتماعياً وثقافياً، وهذا الأمر غير صحيح، لأنّها شتائم مقرفة ومقززة، وتعكس مزاجاً عصابياً عنصرياً. 
صحيح أنّ هذا المزاج الجماهيري – الكروي- يعكس حالة شريحة معينة، لكنّه يحمل دلالات سياسية يؤدي السكوت عليها إلى شرعنتها والتطبيع معها، ويسمح بتجذّرها وانتشارها إلى مساحة أوسع، وهي – في حالتنا الأردنية- أقرب إلى "دعوات حرب أهلية"، لأنّ التشجيع يرتبط بأبعاد سياسية ومجتمعية لا تخفى عليكم.
الملاحظة الثانية، هذه الهتافات والشتائم الجماعية، التي تقودها مجموعة معروفة لدى الأجهزة الأمنية من الجانبين، تضرّ كثيراً بالقيم الحضارية والإنسانية للرياضة نفسها، وتجعل من مدرجات الجماهير تحت سيطرة مجموعة من "الزعران"، بينما أصبحت هذ اللعبة (كرة القدم) أقرب إلى الثقافة الاجتماعية العامة، ومرتبطة بالحياة اليومية، وليست مقصورة على الذكور، بل النساء، لكن المشهد كان مخجلاً ومؤذياً وأنت تشاهد (عبر شاشة التلفزيون) بعض العائلات الموجودة، وهي تضطر إلى أن تستمع لهذه الهتافات البذيئة الجماعية، فذلك بمثابة اعتداء رمزي عليها وعلى الذوق العام، وعلى حق الآخرين بالمتابعة والمشاهدة.
الملاحظة الثالثة هي على المشهد المقزّز المحزن، عندما هجمت مجموعة على أحد مشجّعي الوحدات، ذهب إما بالخطأ أو لعدم وجود مقاعد أخرى (أيّاً كان السبب) إلى أماكن تواجد جمهور الفيصلي، فكاد أن يُقتل من الضرب، وهو يتلقّى الشتائم البذيئة، وقوات الدرك تحاول انتشاله من بينهم، وتبيّن أنّه مراهق صغير، وهو فيديو لا يجوز أن يمرّ مرور الكرام، من دون أن يتم رصد من شاركوا في "حفلة التعذيب" وتحويلهم إمّا إلى القضاء، أو بالأحرى للطب العقلي والنفسي، لأنّهم بالتأكيد غير أسوياء!
الملاحظة الرابعة قد تكون كروية أو فنيّة (ونتركها للمتخصصين، لكنّ المقارنة واضحة بصورة كبيرة)، وهي أنّ هذا الهيجان الجماهيري والهستيريا العصابية الجماعية في الشتائم والمسبّات لا تقترن بالحدّ الأدنى بمباريات ممتعة، فالمباراة كانت أقرب إلى لعب الحارات والشوارع، بلا فنّ ولا جمال، وكرّة لا تمرّ لدى الفريق الواحد خمس مرّات متتالية إلاّ وتقطع، وحارس مرمى يقذف بالكرة من ملعبه إلى الملعب الآخر، في المجمل المشهد بأسره يذكّرنا بالمثل الشعبي "جنازة حامية والميّت كلب" (مع الاحترام للكلاب جميعاً)، لكن المقصود أنّ متعة الفرجة مفقودة تماماً أيضاً، وواقع الكرة في تدهور مستمر، ومدرجات الجماهير مسكونة بالأمراض الاجتماعية والثقافية، فالمشهد من ألفه إلى يائه أقرب إلى "كارثة وطنية"!
ذلك لا يعني – أبداً- الإساءة للكرة الأردنية، بل ضرورة مراجعة المسار كاملاً، والتطوير الحقيقي على صعيد الثقافة والقانون ومواثيق الأخلاق والقيم، وعلى صعيد المديرين الفنيين والمدرّبين الذين من الضروري أن يفكّروا في هذا المستوى غير المقبول من الفن والكرة في ملاعبنا اليوم!  

الغد 2018-02-13



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات