قانون التوحش 2-2
-1-
ليون برخو، أستاذ جامعي وباحث وإعلامي سويدي، من أصل عراقي، قرأت له مقالا بعنوان «نهاية العالم» وهو كما يقول عن العنوان إنه استقاه من مقال نشرته مجلة «نيوساينتست»New Scientist يحمل الشق الأول منه العنوان ذاته، والشق الثاني يتنبأ بفناء الحضارة الغربية، واحدث صدى كبيرا في الصحافة الغربية. ويقول إن مقال المجلة ركز على الحضارة الغربية وأتى من الأدلة والبراهين والأمثلة ما يجعل نهاية هذه الحضارة قادمة لا محالة وأن اللوم يقع على أصحابها وليس على ما أتت به الكتب الدينية أو ما يروجه أصحاب نظريات الفناء أو نهاية الدنيا، ويضيف: أنا أعيش في الغرب وألاحظ في السنين الأخيرة خشية كبيرة من أن الحضارة الغربية صارت على شفا الهلاك والنهاية. المشكلة الكبرى التي يواجهها الغرب التي قد تؤدي إلى فناء حضارته الحديثة تكمن في أن هذه الحضارة جعلت عيش الفرد الواحد مكلفا جدا من عدة أوجه منها المعاشية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ـــ مكلفة إلى درجة أن الأرض ومصادرها لم يعد بإمكانها تحمل عبء تكلفتها! .
ما تحدث به برخو، هو أحد أهم جوانب المشكلة التي نعاني منها في الشرق، فقد أصبحنا «غنيمة» للغرب، باعتبارنا أحد «المصادر الطبيعية» على الأرض، التي يتوجب عليها توفير الرفاهية لحكام وشعوب العالم الأول، وفق تقسيماتهم، فهم من يضعون قوانين الأرض، (معادلة مجلس الأمن مثلا والفيتو!) وهم الذين يصنفون الدول إلى دول مارقة أو متمردة، ويصنفون الأديان والأمم، إلى متطرفين أو معتدلين، وهم من يملكون كل أو جل الثروات، ويتحكمون بها، (إذا أصيب رئيس الولايات المتحدة بالمرض مثلا، اهتزت بورصات العالم!) وبالجملة، سدنة الغرب ومجالس «حكمائهم» من ظهر منهم ومن بطن، يمتلكون مفاتيح دمار أو عمار الأرض والبشرية جمعاء، ولهذا نرى ذلك الاختلال الكارثي في معادلة الثروة، وتركزها في أيدي ثلة قليلة من البشر، ( 1 في المائة يمتلكون أكثر مما يمتلك الـ 99 في المائة) ورأينا أيضا كيف يعيش نحو نصف سكان الأرض على أقل من دولارين يوميا للفرد الواحد، وهذا معيار الفقر المطلق العائد إلى نقص الدخل، ويعيش حوالي خمس السكان على أقل من دولار واحد يوميا للفرد، وهذا حد الفقر المدقع، ورأينا كيف تتوزع خارطة الفقر على كل دول العالم، وإن كان حظنا في الشرق والجنوب، هو حظ الأسد، (تبلغ نسبة متوسط الدخل في الدول الغنية إلى الدول الفقيرة 37:1!) إن مثل هذه المعادلة غير قابلة للاستمرار، على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما ينذر بحدوث تغيرات جذرية، تعيد المعادلة إلى وضعها الطبيعي، ولعل هذا ما يشير إليه العلماء حين يتحدثون عن «نهاية العالم» وهو في الحقيقة نهاية قانون التوحش وبداية قانون العدالة، وهذا ليس ضربا بالغيب، بقدر ما هو استقراء علمي واقعي، فالعالم يموج اليوم بالتغيرات الكونية، والانفجار المعرفي لم يبق شيء مستورا، والشعوب الجائعة لا يمكن لها أن تبقى في انتظار الموت، فيما تنهب ثرواتها وتهدر كرامتها من أجل أن تبقى على قيد الحياة!
-2-
حين نستقرىء واقع الفقر والجوع في عالمنا «المتقدم» جدا، ينصرف الذهن إلى واقعتين كونيتين، لم يشهدهما تاريخ البشرية، إلا قبل نشوء قانون التوحش الغربي، الواقعة الأولى حينما دار عمال الخليفة المسلم في الأمصار يبحثون عن فقير فلم يجدوا أحدا لأخذ مال الزكاة، فكان كل رعايا الخليفة مكتفين، والواقعة الثانية حينما نادى منادي الخليفة انثروا القمحَ على رؤوس الجبال..حتّى لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين!
وهذا هو الفرق بين قانون التوحش السائد اليوم، وقانون العدالة الذي سيسود ولو بعد حين!
الدستور 2018-02-13