أسبوع سقوط الطائرات في سورية
شكّل سقوط طائرة ال F16 الاسرائيلية، الأميركية الصنع، السبت الفائت، بفضل المضادات الجوية السورية، الروسية الصنع، حدثاً مهماً، فتح باب الكثير من الأسئلة، وطغى على وقوع ثلاث طائرات أخرى، تركية، وروسية، وإيرانية، وعلى السياق الذي أسقطت فيه الطائرة، والمتمثل في القصف الإسرائيلي لثمانية أهداف إيرانية في سورية. هذه التفاصيل تطرح سؤالاً مهما، هو هل "تغيرت قواعد اللعبة على الحدود السورية مع الإسرائيليين؟"، ولعل الإجابة الأقرب للدقة، تتمثل في تعديل السؤال ليصبح، ما هي قواعد اللعبة الجديدة في سورية، فهناك واقع جديد يتشكل بآليات جديدة.
يزعم السياسيون الإسرائيليون أنّ ما حدث هو اختراق طائرة بدون طيار إيرانية، لما يسمونه المجال الجوي الإسرائيلي، لأول مرة منذ الحرب في سورية، وأنّه جرى إسقاطها، والهجوم على منشآت إيرانية. ويرد الإيرانيون بأنّ هذا ادعاء "مضحك" وبأنه لم يجرِ. بالتأكيد أنّ الطائرة الإيرانية، في حال وجدت، لا تشكل إلا جزءا من المشهد، ولا يمكن التسليم بالرواية الإسرائيلية في هذا الصدد. فالإسرائيليون يؤكدون أنّهم قصفوا ثمانية أهداف إيرانية في سورية، وأنّ ذلك جرى على مرحلتين، الثانية بعد سقوط الطائرة الإسرائيلية، واستهدفت قاعدة دائمة يبنيها الإيرانيون لوجودهم في سورية، ومضادات للطائرات. ومن هنا تصبح الطائرة الإيرانية، ويدّعي الإيرانيون أنها استطلاعية كانت في مهمة ضد إرهابيي "داعش"، مجرد ذريعة لعمل أوسع مبيت في سورية.
مثلما يركز الإسرائيليون على جزء من المشهد، يتجاهل الإيرانيون باقي أجزاء الموقف. فلم يعلقوا على باقي الادعاءات الإسرائيلية، بخصوص قاعدتهم الدائمة، والأهداف التي قصفت لهم.
بشكل عام، وقبل الدخول في تفاصيل نوايا وسياسات كل طرف في سورية، ما يجري هو ترتيب ووضع قواعد المرحلة المقبلة. فقبل الأحداث في سورية منذ العام 2011، كانت القاعدة أن تبقى جبهة الجولان هادئة، بين النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي، مع وجود خطوط حمر في لبنان، وحصر المواجهة على الأرض اللبنانية، ومقابل رعاية السوريين لفصائل مقاومة كانت إسرائيل تقوم بعمليات في سورية بين حين وآخر دون رد سوري. ثم بعد اندلاع الأحداث، صارت "قواعد اللعبة" وقوف الإسرائيليين موقف "الحياد المربح" الذي يشاهد كيف تستنزف سورية كل يوم، وتضعف، ومن هناك كان الاحتجاج الإسرائيلي على دخول الإيرانيين وحزب الله لسورية شكلّياً أو محدوداً، مقابل تنسيق وتطوير وضمانات في العلاقة مع موسكو.
الآن هناك مرحلة جديدة؛ فالروس والإيرانيون يعدون لتواجد بعيد المدى في سورية، ويبنون قواعد لقواتهم وتواجدهم.
يحاول الإسرائيليون تحريض الروس لتقليص الوجود الإيراني قدر الإمكان، وقبل أسبوعين ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كيف يقلص الوجود الإيراني من المكاسب والمصالح الروسية في سورية اقتصادياً وعسكرياً.
يرى سياسيون داخل الحكومة الإسرائيلية أنّه لا يجب التساهل مع الوجود الإيراني في سورية، حتى لو اقتضى ذلك حربا واسعة، لكن بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أقرب لتبني مذهب "الاحتواء"، الذي يتساهل عملياً مع إيران إذا كان هدفها بناء مليشيا، وكما تم التغاضي عن دورها في سورية منذ سنوات حماية للنظام هناك، فسيتم التغاضي عن ذلك، ما دام لا يخرج عن إطار دعم المليشيات، كما يحدث في العراق واليمن، فهذا يؤدي إلى استنزاف داخلي. ولكن يجب منع أي تطورلقوات نظامية يمكن أن تهدد التفوق العسكري الإسرائيلي، فلا يسمح بتكوين قدرات عسكرية تقليدية كبيرة.
أما الجانب الروسي، الذي جرى بينه وبين الإسرائيليين اتصال سريع بعد أحداث السبت بهدف تطويقها، فلا شك أنّ سقوط الإف 16، مريح من زاوية أنه ليست الطائرات الروسية المعرضة للسقوط فقط، كما حدث في طائرة سوخوي قبل أسبوع من سقوط الإف 16، (وسقطت مروحية تركية قبل الطائرة الإسرائيلية بساعات)، ولكن التعليق الروسي كان أنه يُمنَع تطور الأحداث بما يهدد أمن الجنود الروس في سورية.
ما يجري الآن هو تحديد شروط بقاء القوات الروسية والإيرانية في سورية، ومحاولة السوريين والإيرانيين صنع ردع للقوات الإسرائيلية وخفض تدخلها، مقابل عمل الإسرائيليين بمساعدة الروس والأميركيين على تحجيم الوجود الإيراني قدر الإمكان، وضمان أن يبقى في مستوى المليشيات الداخلية.
الغد 2018-02-13