ماذا لو !!
عشرات الاسئلة خطرت ببالي عندما قرأت ما كتبه سارتر عن الشعراء السود ومنهم سيزير والرئيس السنغالي الاسبق سنجور وكان السؤال هو ما الذي ستفعله بسوادك اذا ولدت اسود اللون؟ هل تصبح سيزير وسنجور ام حارس بناية ام سائق شاحنة ؟ وبهذا المقياس سألت نفسي ما الذي ستفعله بقصر قامتك لو ولدت قصيرا ؟ هل تصبح نابليون ام فخر الدين المعني الذي قيل ان البيضة اذا سقطت من جيبه لا تنكسر بسبب قصر قامته، ام تضيف الى كعب حذائك عدة طبقات تغطيها ببنطال طويل يخفيها؟
وماذا كنت ستفعل بعماك اذا ولدت اعمى، هل تصبح طه حسين او بورخيس او المعري ام تجلس امام المسجد بين الاحذية وتتسول ؟ وماذا كنت ستفعل اذا ولدت لاجئا من وطنك؟، هل تبني عدة بيوت كطائر نقار الخشب وتتأقلم مع المنفى ام تسعى الى استرداد حقك؟، وهل ستصبح مهربا كأبي الخيزران العنّين في رواية غسان كنفاني رجال في الشمس ام تصبح غسان نفسه وتخيف عدوك بما تكتب اكثر مما اخافته جيوش العرب كلها؟.
لكن هناك على ما يبدو من يبحثون عن اقصر الطرق لتحقيق الذات ولو بشكل زائف، ولو عاش سارتر حتى سمع بما فعله مايكل جاكسون بجلده لربما اعاد صياغة السؤال، فكل واحد منا يولد محاصرا بشروط لا خيار له فيها منها لونه واسمه وعائلته والطبقة الاجتماعية التي ينحدر منها، لكن هناك من يستسلم ويتأقلم مع هذه الشروط وهناك من يتمرد عليها.
والشاعر المتنبي ابن الوراق الذي تطاول شعرا وبلاغة على امراء بني حمدان قال لأمه يكفيك نسبا ان تكوني امي، لأنه الذي نظر الاعمى الى ادبه واسمعت كلماته من بها صمم ثم اصبح الدهر له منشدا!
وهناك انسان يولد فقيرا ولا ذنب له في ذلك، لكن فقره يمتطيه ويدجّنه ويقتاده الى حيث لا يتمنى، مقابل فقير آخر يحول فقره الى مطية ويمضي به الى نهاية الشوط ليكون الاغنى فكرا وفلسفة وحكمة ويخلده الزمان!
ليس مهما كيف نولد وأين؛ لأن الاهم هو ما الذي نصنعه بالشروط التي حاصرت ولادتنا، فالاصلع إما ان يبحث عن باروكة من شعر مستعار او يصبح برنارد شو الذي سخر من صلعته وشهرها كامتياز وليس كعورة!!.
الدستور 2018-02-14