ترامب يبدو يائسًا من «صفقة القرن».. ما البديل؟
هي مقابلة تستحق التوقف؛ أعني المقابلة الخاصة التي منحها ترامب لصحيفة “إسرائيل اليوم” الأكثر قربا لنتنياهو، والتي يعد ناشرها شيلدون أديلسون من أصدقاء ترامب، ومن ممولي حملته الانتخابية.
كان من الطبيعي أن تكون المقابلة مع هذه الصحيفة تحديدا مدججة بالمجاملة للكيان الصهيوني، وكثيرة الوعود تبعا لذلك، لكنها لم تكن كذلك في كل فصولها، وإن كانت كذلك في بعض الإجابات أو التعليقات.
رئيس تحرير الصحيفة الذي أجرى المقابلة ركّز بطبيعة الحال على البعدين اللذين يركّز عليهما نتنياهو في العادة، وهما التحدي الإيراني؛ بخاصة في سوريا، والثاني ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقدس، وقرار الاعتراف بالمدينة عاصمة للكيان الصهيوني.
وما يعنينا هنا أكثر، بخاصة أن المقابلة جاءت قبل واقعة إسقاط الطائرة الإسرائيلية هو ما يتعلق بملف التسوية والقدس، وما بات يعرف بـ”صفقة القرن.
وفيما افتخر ترامب أيما فخر بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، واعتبره أهم حدث في عامه الأول في البيت الأبيض (نقطة الذروة)، إلا أن إجاباته التالية لم تكن مريحة بالنسبة للصهاينة، فهي ليست جازمة كما كانوا يتوقعون، ولنأخذ هذه الفقرة المتواصلة من الحوار تأكيدا على ذلك.
سأل رئيس تحرير الصحيفة الذي أجرى المقابلة ترامب: “حين قلت مؤخرا في دافوس إن قرارك أزال القدس عن طاولة المفاوضات، فماذا كنت تقصد؟”.
ترامب: “في معنى أني أزلت القدس عن طاولة المفاوضات أردت أن أوضح أن القدس هي عاصمة إسرائيل. في كل ما يتعلق بالحدود المحددة، سأمنح تأييدي لما يتفق عيه الطرفان”.
الصحيفة: “هل سيتعين على إسرائيل أن تعطي شيئا في مقابل قرارك عن القدس؟”.
ترامب: “أعتقد أن الطرفين سيضطران إلى المساومة بشكل ذي مغزى كي يحققا اتفاق السلام”.
الصحيفة: “يوجد توقع وتوتر في إسرائيل قبيل الكشف عن خطتك للسلام. متى ستعرض الولايات المتحدة خطتها للسلام؟”.
ترامب: “سنرى ما يحدث. في هذه اللحظة الفلسطينيون غير معنيين بصنع السلام. في كل ما يتعلق بإسرائيل، وبالنسبة لها أيضا لست واثقا تماما بأنها في هذه اللحظة معنية بصنع السلام، وبالتالي سنضطر ببساطة لأن ننتظر لنرى ما سيحدث”.
الصحيفة: “هل ستكون المستوطنات جزءا من الخطة؟”.
ترامب: “في سياق اتفاق السلام، المستوطنات معقدة بشكل كبير، ودوما عقّدت عملية صنع السلام، وبالتالي على إسرائيل أن تعمل بحذر زائد في كل ما يتعلق بالمستوطنات”.
لاحظوا حجم التراجعات في كلامه، وليس هذا مديحا بطبيعة الحال، فهو لا يزال متطرفا في انحيازه للصهاينة، لكننا نتحدث عما كان قبل المقابلة، وما فيها من تصريحات؛ والأهم دلالة ذلك.
حين تحدث عن عدم الرغبة في السلام، وضع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في ذات السلة تقريبا، والقدس لم تُحسم قضية حدودها، والمستوطنات التي كان لا يراها عقبة في طريق السلام، أصبحت كذلك، والنتيجة أن الوعد بصفقة القرن أصبح مشكوكا فيه، والحديث لا يتعدى القول: “لننتظر ونرى ما سيحدث”.
وعقب ترمب وبما يشبه اليأس على سؤال حول الدور العربي في عملية السلام قائلا :”أنا في هذه اللحظة معني بالصعيد الفلسطيني الإسرائيلي. أنا لا أدري، للحقيقة؛ ما إذا كانت ستكون لنا محادثات سلام. سنرى ما سيحدث، لكنني أعتقد بأنه سيكون من الغباء للغاية من جانب الفلسطينيين إذا قرروا عدم صنع الاتفاق، وأعتقد أنه من جانب الإسرائيليين أيضا ستكون هذه خطوة غبية إذا لم يصنعوا الاتفاق، هذه فرصتنا الوحيدة. لن يحدث ذلك بعد هذا”.
هي نبرة يأس واضحة، ولا تخطئها القراءة، فضلا عن التحليل، وقد قلنا غير مرة إن “صفقة القرن” ليست برسم المرور، لكن ذلك ليس نهاية المطاف، ذلك أن تكريس الوضع الراهن، أي “سلطة دون سلطة واحتلال دون كلفة”، بتعبير الرئيس الفلسطيني، وفتح مسارب للتطبيع العربي ليست أقل سوءا بكثير من الصفقة الموعودة، بل ربما كانت تنفيذا عمليا لها، ولكن دون ضجيج، ما يستدعي وقفة لكشف اللعبة الجديدة وإفشالها كما أُفشلت “صفقة القرن”.
الدستور 2018-02-14