ربيع لا يقبل الترجمة !!
من وقعوا في فخ المقارنة بين الربيع الاوروبي في القرن التاسع عشر وما سمي الربيع العربي في السنوات السبع التي يليق بها وصف اشد من العجاف، فاتهم ان القليل من القواسم المشتركة لا يلغي الكثير من الفروق خصوصا عندما يتعلق الامر بثقافات متبُاينة وتجارب بالغة الاختلاف، ومن اطرف ما قيل في سياق المقارنات المتعسفة ان الثورة الفرنسية احتاجت الى عقود كي تبلغ الاستقرار، لهذا علينا كعرب ان ننتظر عقودا قادمة كي نودع الفوضى وما افرزته من كوارث وطنية منها ما انتهى الى التقسيم وتحويل بعض الاقطار الى كسور عشرية طائفية وجهوية وعرقية.
وقد يكون الجوع وما يقترن به من استبداد القاسم المشترك الاعظم بين العديد من الحراكات المجتمعية؛ لكن الفارق هو ان هناك ثورات تمضي قدما وتتغذى من ديمومة دوافعها مقابل ثورات وحراكات تتعرض للاختطاف المبكر، وبالتالي الامتطاء بحيث يصبح لمن يستولون على شعاراتها غايات اخرى ويكون لكل قيس منهم ليلاه التي يغني عليها وليس لها، ولعلّ هذا ما يدفع الناس احيانا الى البكاء على اطلال الماضي رغم كل ما فيه من شقاء وبؤس؛ لأن المفاضلة تصبح بين السيّء والاسوأ والاكثر سوءا .
ولأن النخب العربية ذات تاريخ طويل في التلون والارتهان وقابلية الاستئجار فهي تسارع الى امتطاء الموجات واستثمار ما يجود به الواقع بمعزل عنها؛ لأنها على الاغلب غير مبادرة، ولديها حاسة شم مدرّبة بحيث تحزر اتجاه الريح لتكون مع الغالب، ولا نتصور ان هناك حراكات او ثورات قابلة للترجمة كالروايات والقصائد، وسيبدو مثل هذا الاستنساخ مثيرا للشفقة والسخرية معا؛ لأن الواقع هو الذي يفرز التجارب ويحدد منسوب الوعي وليس ما يأتي عن طريق المحاكاة والتقليد الذي يصل احيانا حد التقريد!.
الدستور 2018-02-19