إعلانات تجارية متسترة بالدراسات والدعوة
في تقرير مطول لصحيفة "نيويورك تايمز" عن مراكز الدراسات، فإنها لا تبدو دائماً مستقلة، وتكون مساهمتها في تشكيل ومراجعة السياسات مستمدة من علاقات غير واضحة أو معلن عنها مع الشركات والسلطات، ولا يمكن كما يقول يوشاي بنكلر الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد الثقة باستقلالية بحوث تمولها شركات أو جهات تتفق مصالحها مع السياسات أو الاستشارات التي تتوصل (تدعو) إليها هذه البحوث. ويشير إلى حملة قامت بها شركات عملاقة في الولايات المتحدة لمنع تشريع يمنح السلطات الاتحادية صلاحيات الإشراف والتنظيم لسوق خدمات مقدر بـ100 مليار دولار، وقع عليها علماء وباحثون ودعموا الحملة بعشرات الدراسات والمقالات الممولة من الشركات.
تتزايد مراكز الدراسات في العالم وفي الدول العربية أيضاً، ويتزايد تأثيرها ودورها في توجيه المجتمعات والسلطات السياسية، لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى مراكز للتأثير السياسي والاجتماعي وتصميم السلوك والاتجاهات والمواقف بناء على انحيازات مسبقة أو معدة لأجل سياسات ورغبات الدول والشركات والبنوك الراعية والممولة، وفي ذلك فإنها تتحول إلى مؤسسات إعلامية ودعائية أكثر مما هي لأجل البحث عن الحقائق واختيار الأفكار والاتجاهات أو خدمة السياسات بالمعرفة الأصيلة والمحايدة.
ويمكن النظر إلى ما ينشر عن دراسات يقال إنها علمية عن فوائد أو مضار أطعمة وأشربة وأعشاب ومواد وفيتامينات وحالات الهلع والاستثمار التي شغلت بها حكومات وشركات ومصانع عن نقص الفيتامينات وضرورة المكملات الغذائية والتلوث وارتفاع حرارة الأرض وطبقة الأوزون والتغير المناخي، وبالطبع فإنها ليست مقولات خاطئة أو خرافية، لكنها استثمرت على نحو تجاري واحتفالي بعيداً من روايتها ومكوناتها العلمية المفترضة.
وتؤسس حقائق لا يمكن الشك فيها مثل استخدام الإنترنت في الإرهاب وتمكن الإرهابيين من الوصول إلى أهدافهم اعتماداً على سياسات الحرية والتسامح في الهجرة والمساعدة لمتوالية من استطلاعات الرأي والدراسات والإحصاءات "العلمية" لتكريس سياسات تبدو منطقية ومستمدة من التعارض بين الأمن والديمقراطية وبين الحريات والعدالة، ثم تظهر دراسات ورسائل جامعية عن الأضرار التي لحقت بالاستثمار ومستوى المعيشة. وصار مألوفاً ظهور المفتين وعلماء الدين والمستشارين والخبراء والباحثين والأطباء والصيادلة والأساتذة الجامعيين والحاصلين على جوائز دولية مشهورة في أنشطة وبرامج ومؤتمرات "علمية" تمولها الشركات أو في احتفالات بمناسبات صغيرة أو كبيرة تقليدية أو إبداعية.
ويجري استخدام واسع للشخصيات والبرامج الدينية لتسويق مؤسسات وأعمال تجارية، مثل الإغراق الإعلامي والإعلاني لافتتاح صراف آلي في مبنى المحكمة الشرعية، وتصوير شخصيات دينية في مناصب عليا يشاركون في الاحتفال، أو شحن برامج دينية تلفزيونية بإعلانات مؤسسات تجارية ذات مسميات إسلامية حتى تظن أنها برامج معدة من أولها وآخرها لأجل الإعلان التجاري. يقول مستشار للتسويق: العملاء يفضلون الأمر على هذا النحو!
لقد أصبحت المؤتمرات "العلمية" والدراسات والفتاوى والمشاركات الملفتة للعلماء والباحثين جزءاً من أعمال مجالس الإدارة ومسؤولياتها في الشركات والبنوك والتجمعات التأثيرية للصناعات ومؤسسات العلاقات العامة والتسويق بالمشاركة مع مراكز دراسات وجامعات وكليات أكاديمية، بل صار موقع خبراء ومستشارين علميين ودينيين جزءا من التركيبة الوظيفية لمؤسسات وبنوك كثيرة . لكن، لم يعد ممكناً في حالة الإغراق التي تنفذها مراكز علمية وبحثية وبتمويل من الشركات بالدراسات واستطلاعات الرأي والمقالات التي يكتبها علماء مختصّون التمييز بين دعايات مزيل الشعر والدراسات العلمية.
الغد 2018-02-21