هيّا بنا نقتل البعبع!
ليس سهلا ان نقرأ يوميا خبرا عن وجود عصابات تعتدي على المال العام أو أخرى تطالب بأتاوات من أصحاب محال أو مستثمرين، أو اكتشاف مخدرات وترويج في جامعات حكومية، فكلها مؤشرات مقلقة ومخيفة في المجتمع، تتطلب عدم وضع الرأس في الرمل في انتظار تفاقمها، وإنما المطلوب البحث عن حلول واقعية وجادة لها.
وليس سهلا أيضا أن نتحدث يوميا عن دولة القانون والمؤسسات والمواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة وخلافه من مصطلحات رنانة، وفي نفس الوقت نسمع عن محاصصات ومطالبات باستثناءات واجتماعات عشائرية للضغط على الدولة وليّ عنق القانون، فكل ذلك أيضا يعطل الإصلاح ويضع عراقيل في دولابه حتى لا يدور، فكل تلك ممارسات يتوجب ملاحظتها وعدم السكوت عنها.
وأيضا لا يجوز أن نترك البعض يسرح ويمرح في هواء العالم الافتراضي يشتم هذا ويقذف ذاك، ويعتدي بالكلام والاتهام على غريم له دون وضعه عند حده بالقانون، فيما تتحرك الجحافل وتثور الدنيا ولا تقعد إن تم المس بشخصية عامة او صاحب نفوذ، فالجميع يجب ان يكونوا متساوين لا فرق بين التشهير بمواطن عادي او شخصية عامة.
الدولة المدنية التي نتحدث عنها في بطون الكتب والمؤتمرات وعبر الملتقيات يتوجب أن لا تبقى خطبا أمام ميكروفونات الخطابة فقط، وإنما يجب عكسها على الأرض، وعلى أولئك الذين يريدون تعطيل إصلاحنا أن يعرفوا أن الباب مفتوح فقط لمن يريد التعامل مع الدولة المدنية التي تقوم على العدالة في كل الأمور، والابتعاد عن كل الأفكار الجهوية والمحاصصة وغيرها من أفكار لا تبني دولة ولا تؤسس لمجتمعات حديثة، ممن تعشعش في عقولهم الافكار الاخرى، والواسطة والمحسوبية، وان الدولة بمثابة إرث له وعليه أن يأخذ منها ما يشاء. على مثل هؤلاء أن يحزموا حقائبهم ويغيبوا عن المشهد ويتركوا المجال لمن يؤمن بالدولة الحديثة لكي يعمل ويُفعّل الاصلاح على الارض وليس بالكلام فقط.
ليس خافيا ولا مخفيا ان هناك قوى شد عكسي تسعى يوميا لمقاومة اي فكرة اصلاحية وتجديدية وتنويرية وتحديثية، وهذه القوى متغلغلة في مفاصل كثيرة في الدولة، وبقاؤها في أماكنها تتحكم بإصلاحنا بالشكل الذي يرضي اهواءها لا يفيد ولن يساعد في التطوير والانتاج والابداع.
أيعقل ان نتحدث عن دولة مدنية، وفي الوقت عينه نتحدث عن جهوية وعشائرية وخلافه من مصطلحات من المفترض ان يكون قد عفا عليها الزمن، فالحقيقة التي لا مجاملة فيها ان الجهوية ضد الاصلاح وان الدولة تطور للعشائرية، التي يمكن ان نأخذ منها قيمها الجميلة التي تقوم على التسامح والكرم والاخلاق وكل ما هو ايجابي.
اذ لا يعقل ان تكون هناك مناطق صعبة على الدولة واخرى سهلة، ولا يجب ان نسمع ان البعض يرفض وصول مفتش الكهرباء او الماء لبيته او مزرعته، فيما يصول المفتشون والجابون في مناطق اخرى بحرية، ولا يجوز ان نسمع عن استجرار ماء دون ان نعرف اين وصلت ملاحقة اولئك الذين كانوا يعتدون على حق الدولة، كل تلك الامور وغيرها العشرات العشرات يجب التنبه لها ومعالجتها ووضعها امام أعيننا وعدم وضع الرأس في الرمل وكاننا لا نراها، ونحن متيقنون انها تحدث وربما هناك المزيد منها.
ان وقفنا امام واقعنا بشكل حقيقي، وتوافقنا على أن هناك قوى شد عكسي تعمل ضد الاصلاح والعدالة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والمواطنة، وتسعى لبقاء المحاصصة والواسطة والمحسوبية كما هي، وقتها يمكن ان نخطو للامام من خلال تحييد تلك القوى والذهاب لنهضة ادارية، نضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، دون النظر للمحافظة واللواء والعشيرة وغيرها من مصطلحات خلقها البعض لنا حتى باتت بعبعا يبعدنا عن التقدم والدولة، فهيّا بنا نقتل البعبع فينا.
الغد 2018-02-21