محرومون من الأخطاء !
المجتمعات التي تصاب بتصحر ثقافي ويختلّ توازنها الاخلاقي يصبح الفرد فيها اشبه بلاعب السيرك غير مسموح له حتى بخطأ واحد، فإما التصفيق او السقوط عن الحبل مضرّجا بعرقه ودمه ! وغياب التسامح المتبادل يرجع الى حالة من التوتر والعصاب اللذين يفرزهما فائض القهر وكظم الغيظ بحيث تنعطب البوصلة الاخلاقية ويختلط حابل كل شيء بنابل كل شيء آخر !
وما نسميه في امثالنا الموروثة القشة التي قصمت ظهر البعير هو التعبير الدقيق عن هذا التوتر والعصاب، والكأس حين يمتلئ تماما يتسع لقطرة واحدة، وهناك حكاية رواها الكاتب الفرنسي البير كامو عن رجل انتحر بعد خمس سنوات من رحيل ابنته الوحيدة، ولم يربط الناس بين الحادثة التي دمّرت حياته وافرغتها من الامل وبين انتحاره، ويقول كامو ان الدودة باضت في قلبه، لكن البيضة انتظرت خمس سنوات كي تفقس، ونحن في مثل هذه الظروف الشاذة التي نعيشها بل نموتها في العالم العربي غالبا ما تصدر عنا مواقف ليست ابنة اللحظة، وقد نمارس افعالا لا تبررها المناسبة ولا علاقة فيها بين المقام والمقال ! لأن مديونية القهر والغضب تتراكم في اللاوعي واحيانا تجد من القرائن ما يتيح لها ان تطفو على سطح الذاكرة .
وعلى سبيل المثال حين يشتبك اثنان عند اشارة مرور او لأي سبب عابر غالبا ما ينتهي التلاسن الى الاشتباك الجسدي، لأن السبب ليس هذه الحادثة او ما يشبهها، بل هو فائض من الشعور بالقهر والعجز عن التعبير .
وليس من المعقول ان يصبح الانسان كلاعب السيرك محروما من حقه في الخطأ، لهذا يضطر الى الكذب والنفاق وممارسة كل تلك المواقف التي تحدث عنها ديزموند موريس في كتابه عن القرد العاري ! وفي غياب التوازن الاخلاقي والعدالة يصبح كل شيء مباحا ، وهناك حكاية تلخّص هذه الدراما البشرية رواها احد المؤرخين عن قراقوش الذي اشتكى اليه رجل شاهد بائع الحليب يخلطه بالماء، ولأن شكل هذا الرجل وربما صوته لم يعجب قراقوش عاقبه، وقال له انه ناكر للجميل فبائع الحليب كان يغسل الحليب وينظفه من الشوائب وهذا ليش غشّا !
الدستور 2018-02-21