يا نار كوني بردا وسلاما!
ما نراه من مشاهد مرعبة يتجاهلها الإعلام العالمي اليوم، وما نسمعه من أصوات الانفجارات وصور الأطفال وفيديوهاتهم تحت الأنقاض، وهم يخرجون إما أمواتاً، أو بين الحياة والموت، والغبار الهائل الذي يغطي أحياء واسعة من الغوطة الشرقية، كل ذلك لم يحرّك ساكناً في موقف المجتمع الدولي ولا الدول الكبرى، ولا حتى دول المنطقة، فالكل يبحث عن مصالحه على جثّة سورية وشعبها.
ما يحدث اليوم في الغوطة الشرقية من قتل وتدمير وقصف، ومئات الشهداء، ومئات الجرحى، هو إجرام ما بعده إجرام يمارسه النظام السوري، وشركاؤه في الجريمة هم الإيرانيون والروس، فكل قذيفة تسقط وكل طفل يقتل تحت الأنقاض وكل قطرة دم تنزف بهذه الغارات البربرية الهمجية التي لا تراعي قانوناً دولياً ولا أخلاقاً ولا ذرة من الإنسانية، هذه جميعاً تقع في رقبة الشركاء في هذه الكارثة الإنسانية والأخلاقية!
الجريمة الكبرى هي صمت المجتمع الدولي وتخاذله وعدم وجود اهتمام حقيقي من قبل الإعلام والمؤسسات العربية بخاصة في فضح ما يحدث في الغوطة، ولو كانت هذه الجرائم ضد حيوانات لانتفض العالم الغربي ولأظهرت الحكومات العربية تعاطفاً! أمّا السوريون وأطفال الغوطة والمدنيون والأبرياء فلا نجد حتى بيانات إدانة ولا مواقف محترمة من الحكومات العربية.
بينما أصدقاء سورية الذين جمّعتهم السياسة ضد النظام السوري في البداية ففرقتهم السياسة أيضاً، والمسألة لا تحتاج إلى أبجديات القراءة؛ فدول دكتاتورية تسلطية فاشية كيف لها أن تدعم الديمقراطية في دولة أخرى، ودول تمنع شعوبها من حرية التعبير وتسجن على الكلمة، كيف لها أن تطالب بالحرية في دولة أخرى!
والأمر نفسه ينطبق - مرّة أخرى- على "نخب الشيزوفرينيا" العربية، بخاصة القوميين واليساريين والمناضلين والرفاق، الذين يحتجون على أبسط الأمور في بلادهم ويدعمون أنظمة طائفية ودكتاتورية ودموية في بلاد أخرى؟!
بصراحة ذلك ما لا أستطيع أن أفهمه! كيف يمكن أن يتم التحايل على هذا التناقض السافر والصارخ أخلاقيا في الخطاب السياسي لهذه القوى والشخصيات، فيتم الاعتراض على أي تراجع في الحريات وانتقاد المنظور الأمني هنا في الأردن، أو في دولة عربية أخرى، ونسمع صباح مساء الشكوى والمطالبة بالديمقراطية والتعددية، وفي الوقت نفسه تُبارك مجازر النظام الدموي والطائفي في دمشق!
يتحدثون عن الدولة المدنية في الأردن ويستبطنون هواجس من أجندة الإسلاميين وهم يؤيدون ويدعمون نظاماً طائفياً يرسم سياسته الخارجية على خطوط الصراعات الطائفية والمذهبية، كيف يمكن أن نفهم هذا التناقض أيها السادة، هل يتبرع أحدكم بشرحه لي؟!!
ذلك مما يشعرني بالقلق الشديد: بأنّ المشكلة في الحقيقة ليست في الحكومات والسياسات الرسمية العربية، بل في عقلية النخب وثقافتها، وليس فقط في هشاشة الإيمان بالديمقراطية والحريات لديها، وفي مبادئ وقيم حقوق الإنسان، بل في ضمور الحسّ الإنساني والأخلاقي أيضاً لديهم!
وحدة سورية والقومية العربية ومواجهة الصهيونية.. أليست هذه الحجج! هل يملك نظام يقتل الناس بهذا المستوى الإجرامي مشروعية الوحدة والتوحيد، ونظام يستعين بعشرات الآلاف من مرتزقة من إيران وأفغانستان والباكستان، ورئيسه يخضع لإملاءات طهران وموسكو، وأصبحت سياساته محكومة بالبعد الطائفي والمذهبي، هل هو الضمانة الحقيقية لأمن البلاد والناس والمواطنين، وهل مثل هذا التطهير الطائفي والمذهبي والتصفية للسكان هي الضمانة المنطقية لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، التي يخترقها قادة الميليشيات شرقاً وغرباً؟!!
هل بقي شعب سوري أم أصبح أشلاء ومجموعات، نصفه مهجّر ونازح، أو مقتول ومسجون، وأي سورية اليوم وهي مسرح للصراعات الهوياتية المذهبية والطائفية والدينية ولصدام القوى الكبرى والإقليمية، فهي سوريات طائفية ومذهبية وعرقية، وفي مسرح هذه الصراعات السياسية الداخلية والخارجية يدفع الأطفال وحدهم الثمن.. فيا نار كوني برداً وسلاماً على أطفال الغوطة الأبرياء.
الغد 2018-02-22