انكشاف ميداني وسياسي في الغوطة الشرقية
فرصة ذهبية توفرت للنظام السوري لمهاجمة الغوطة الشرقية في محاولة لإخضاعها او دفعها للاستسلام لإرادته؛ فالغوطة تمثل شوكة في خاصرة النظام وحلفائه والسيطرة عليها ستوفر للنظام الفرصة للاسترخاء خصوصا في دمشق؛ والاهم تدعيم قدرته على فرض شروطه في مفاوضات السلام خصوصا تلك التي تشرف عليها روسيا في سوتشي.
اختيار الغوطة لم يكن عبثا في هذ التوقيت الحرج؛ اذ يدرك النظام وروسيا تعقيدات المشهد السياسي والميداني شمال سوريا وشرقها؛ فالتصعيد في ادلب ودير الزور وعفرين سيصطدم بتركيا والولايات المتحدة، في حين يبدو المردود السياسي قليلا جدا والكلفة مرتفعة.
فلا رغبة لدى روسيا والنظام الى جانب ايران بالصدام مع تركيا في عفرين ومنبج، خصوصا ان تركيا مشغولة بالكامل بهذه المعركة وتخوض صراع خفيا ومعلنا مع الفيدرالية الامريكية التي تدعم بدروها مشروعا انفصالا انعزاليا كرديا شمال شرق سوريا، والحال ذاته مع تركيا المشغول بمعركتها في عفرين.
الفيدرالية الامريكية في المقابل منشغلة بالكامل في التعامل مع تركيا ومتمسكة بمشروعها الانفصالي وتخوض مساومات معقدة مع انقرة، وانخرطت بقوة في الدفاع عن مشروعها الانفصالي شرق الفرات؛ اذ لم تتوان عن اللجوء الى طائرات بي 52 لقصف قوات النظام السوري والمتعاقدين الروس بالقرب من دير الزور متخطية الخطوط الحمراء؛ فاتحة الباب لإمكانية اندلاع مواجهات مع المليشيا المدعومة من النظام.
التحركات الامريكية زادت من حدة التوتر لدى روسيا وفتحت الباب لمواجهة جوية مع الكيان الاسرائيلي ادى الى اسقاط طائرة اف 16، الاهم ان روسيا قامت مؤخرا بتعزيز قواتها الجوية بإرسال طائرات سوخوي 57 «SU-57 « لغايات الردع واظهار القدرة على توجيه ضربات مؤذية لحلفاء واشنطن بتقييد تحركات واشنطن العسكرية غرب الفرات وجنوب سوريا، وارهاب اهل الغوطة الشرقية في نفس الوقت.
الظروف كلها مساعدة ومحفزة للنظام لإطلاق معركة الغوطة الشرقية فالدول العربية الداعمة للمعارضة السورية انشغلت في صراعاتها وعلى رأسها الازمة الخليجية، كما انشغلت السعودية بشكل كبير بأزمتها وحربها في اليمن وتعاني علاقاتها مع تركيا من فتور وفقدت الى حد كبير الكثير من ادوات التأثير خصوصا بعد ازمة استقالة الحريري؛ اذ بات تأثيرها في الساحة اللبنانية محدودا جدا بشكل يصعب عليها لعب دور في الساحة السورية؛ واذ اضيف لها مقدار الفتور في علاقاتها البينية مع طيف واسع من الدول العربية والاسلامية في اعقاب اندلاع ازمة نقل السفارة الامريكية الى القدس، نجد ان هناك العديد من القيود التي باتت تفرض على سياستها في سوريا في ظل فتور كبير في علاقاتها مع دول عربية مؤثرة ومطلة على المشهد السياسي في سوريا.
لم يُجد كثيرا التحرك الكويتي والسويدي في الامم المتحدة؛ اذ تم تأجيل انعقاد الجلسة واتخذ العمل السياسي مسارا اكثر مواءمة لاستراتيجية النظام السوري وحلفائه، فالضغط العسكري والانساني على الغوطة الشرقية سيتواصل لفترة ليست بالقصيرة على امل تحقيق تقدم ملموس في الاطار السياسي والميداني بالنسبة للنظام.
الغوطة ليست لقمة سائغة بالتأكيد فهي تضم عددا كبيرا من القرى والمدن، الا أنها فقدت الكثير من سكانها البالغ تعدادهم المليونين فسكان الغوطة الشرقية يقدر الان بـ 400 الف، والظروف المواتية السياسية والميدانية تعد فرصة مناسبة للنظام للضغط على المعارضة السورية.
المعركة ستطول وستدوم اشهرا على الارجح ما يعني معاناة انسانية كبيرة، لن تتبدد الا بحدوث تغيرات درامية في ساحات المواجهة السورية سواء في ادلب ام عفرين ام دير الزور ودرعا. تصاعد التوتر مع لبنان والكيان الاسرائيلي مسألة اخرى لا تقل اهمية عما سواها في التأثير على مسار المعارك في الغوطة الا انه مستبعد في ظل ازمة الإدراة الامريكية الداخلية وازمة الكيان وانشغاله الكامل في الصراع مع الفلسطينيين، وغموض المرحلة الانتقالية التي بدأت تطل برأسها على الاراضي الفلسطينية بتأثير من ازمة السلطة في رام الله وازمة العلاقة مع واشنطن.
الجبهات الساخنة سواء الاقليمية في لبنان وفلسطين والعراق ام المحلية في عفرين ودير الزور كلها وفرت مناخا مناسبا للنظام للتقدم خطوة نحو الغوطة، وبالرغم من ان احتمالات تحقيق تقدم سريع وسهل مسألة شبه مستحيلة، غير ان المعاناة الانسانية لسكان الغوطة تمثل الحقيقة الوحيدة التي يمكن التعامل معها خلال الاسابيع والاشهر القليلة القادمة، فالغوطة تعاني الآن من حالة انكشاف ميداني وسياسي واعلامي.
السبيل 2018-02-25