نتنياهو يقرر في واشنطن
بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركية ونائب الرئيس الأميركي والرئيس نفسه، أنّ سفارتهم لن تنقل للقدس هذا العام، تبخرت التصريحات، وصدق تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهذا مؤشر آخر أنّ من يريد معرفة شيء عن الخطط لأميركية المزعومة للسلام، عليه أن يتابع ما يقوله نتنياهو وفريقه "الأميركي" خصوصاً ديفيد فريدمان وشيلدون أديلسون.
لا مصداقية لوزارة الخارجية الأميركية، ولا سلطة لها على السياسة الخارجية الشرق أوسطية، خصوصاً في الشأن الإسرائيلي – الفلسطيني. فمثلا المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيك هيلي، لا تبذل أي جهد للتناغم مع الوزارة، وتتحدث دائماً بنشوة عما ستفعله لحماية إسرائيل، مرة بالإشارة لأنها ستستخدم حذاءها في الركل والضرب، ومرة وهي تقول، الأربعاء الفائت، إنّ غضب ورفض وعدم سعادة الفلسطينيين في رام الله، لا يُغيِر شيئا في القرار الأميركي. مثل هذا الرد يفهمه الفلسطينيون بالمقولة العربية الشهيرة، سنفعل ما نريد و"اشربوا (أو بلطوا) البحر".
في أكثر من خطاب قال وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون، إن نقل السفارة سيحتاج سنوات، وقال إنّ ذلك لن يكون هذا العام أو العام المقبل. وفي زيارته للإسرائيليين الشهر الفائت، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، إنّ خطة فتح السفارة ستقرر خلال أسابيع (وليس فتح السفارة) وإنه يتوقع أن يجري ذلك العام المقبل.
لكن نتنياهو بعد أيام فقط من خطاب بينس، قال أثناء زيارته للهند إنّ فتح السفارة سيكون أقرب مما تظنون "هذا العام". وعند سؤال الرئيس الأميركي ترامب عن تصريح نتنياهو، نفى ذلك وقال "لا" لن يكون هذا العام.
نشرت صحف أميركية وإسرائيلية تخمينات عن سبب هذا "التسريع"، وِأشارت جيروزالم بوست، على سبيل المثال لتصريحات بينس، وهيللي، وتيللرسون، وترامب، سالفة الذكر، وتصريح نتنياهو، ثم وضعت تفسيرات محتملة، منها أن ما يجري عقاب للفلسطينيين على غضبهم، وأنّ ترامب يريد تحقيق المكاسب السياسية لقراره سريعاً، وأن إدارة ترامب تساعد نتنياهو بتحويل الانتباه عن التحقيقات الجنائية معه، تساعده ليبقى في منصبه. وتضيف صحف أميركية منها لوس أنجلوس تايمز، أسبابا مثل تدخل الملياردير اليهودي الصهيوني شيلدون أديلسون عارضاً تذليل العقبات المالية واللوجستية، ورغم أنّ وزارة الخارجية الأميركية نفت ذلك، إلا أن دور أديلسون يبدو مرجحاً.
الملاحظ أنّه لا يوجد تحليل أو تصريحات تزعم أو تدعي أن الخطوة للتمهيد لإطلاق مبادرة السلام الأميركية، بل تنقل الصحافة الأميركية عن سفراء أميركيين سابقين أنّ عملية السلام أبعد من أي وقت سابق.
هناك استنتاجان مهمان فيما جرى، أولهما أنّ هذه الإدارة لا تلقي بالا للشارع العربي والمسلم. الاستنتاج الثاني، الذي يمكن الوصول له من تسلسل الأحداث، أن فريق نتنياهو هو الذي يخطط ويقرر ثم يسوّق قراراته، ويقوم بما يلزم لتصبح قرارا أميركيا رسميا.
ربما لا يغيّر موعد نقل السفارة كثيراً من المعنى السياسي لقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية، ولكنّ آلية اتخاذ القرار ذات معنى مهم.
فنتنياهو قرر نقل السفارة هذا العام بخلاف كل التصريحات الأميركية الرسمية، وجزء من أهدافه كسب التأييد الداخلي، في معركته مع القضاء، ثم يمكن توقع أنّه نسّق الخطوات اللاحقة مع أصدقائه الذين لا يقلون صهيونية عنه؛ ديفيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، وأديلسون الذي يدعم نتنياهو شخصياً، حتى ضد قيادات اليهود الأميركيين التقليديين والكبار، وصاحب الكلمة المسموعة عند ترامب بحكم تبرعاته السخية، وبحكم مصالح مشتركة ضخمة مع ترامب، ومع صهره الصهيوني جارد كوشنير. فريق نتنياهو المصغر يضم فريدمان وأديلسون، وعلى كوشنير وبينس وهيللي اتخاذ القرار وتسويقه عند ترامب. وتسريع نقل السفارة يساعد نتنياهو على البقاء بمنصبه، أديلسون أشبه براعٍ شخصي له.
بناء على هذا لا معنى ولا أهمية لأي تصريح أميركي، خصوصاً إذا جاء من وزارة الخارجية، ولنعرف القرارات الأميركية المقبلة في الصراع العربي الإسرائيلي، يجب أن نراقب ثلاثة، هم نتنياهو، وأديلسون، وفريدمان، والأخير يضع نصب عينيه الآن ضم مستوطنات الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية الرسمية، وإنكار وجود احتلال إسرائيلي، وبالتالي إنكار الحاجة لتسوية سلمية.
الغد 2018-02-27