كتابة بمئات الأصابع !!
فيما مضى من أزمنة عندما لم تكن سرعة الاحداث كسرعة الاعاصير تقتلع اشجارا وبنايات وتشرد الملايين، كان الكاتب يجد صعوبة في البحث عن موضوع يكتبه حتى لو كانت مقالته اسبوعية، لكن ما طرأ على العالم ومنه نحن العرب من متغيرات دراما مبكية وتسارع محموم في الاحداث جعل حتى من يكتبون مقالة يومية في حيرة من امرهم، فماذا يختارون وماذا يتركون ؟
ولو استطاع احدهم ان يكتب بيدين وليس بيد واحدة كما قال سارتر لفعل كي لا يفوته حدث جسيم، واحداث ايامنا كلها جسام، لأن حاسوبها يقطر دما وليس ارقاما او مجرد اسماء، ولا وقت حتى للميديا كي تذكر اسماء الضحايا؛ لأنهم اصبحوا بالمئات واحيانا بالآلاف لهذا تنوب عنهم الارقام .
كان المثقف العربي قبل عقود بفلسطين واحدة نازفة من الخاصرتين ثم اصبح ينظر حوله فيرى عدة فلسطينات نازفة لكن باسماء اخرى وباحتلالات مختلفة، ولم نكن ذات يوم بحاجة الى توضيح من هو المحتل ومن هو الغازي ومن هو الضحية؛ لأن العدو كان واحدا وواضحا وكذلك الضحايا، لكننا في ارذل ما بلغته حياتنا السياسية من عمر اصبحنا بحاجة الى اضافة صفات للمحتلين والضحايا كي لا يلتبس الامر.
وذروة المفارقات في تاريخنا العربي الحديث ما يتعلق بفلسطين التي كان العرب يحشدون ويغنون وينشدون لاستعادة ما احتل منها عام 1948 ، وبعد حرب دامت ست ساعات وليس ستة ايام كما يقول المؤرخون الذين يصدقون ما يصدر عن الاذاعات والجنرالات، اصبحت فلسطين هي ما احتل في حزيران عام 1967، وكأن الحروب تنسخ بعضها وكذلك الاحتلالات عندما تتعاقب.
وبالرغم من ذلك هناك من يستغربون حتى الان الكتابة اليومية؛ لأنهم لا يدركون كم يتعذب الكاتب وهو يختار المشهد الذي يكتب عنه وتضيع منه مشاهد اخرى عديدة!
فهل تكفي مقالة واحدة في اليوم لرصد ما يجري في صنعاء وبغداد ودمشق وطرابلس وبيروت ؟
كنا ذات يوم بفلسطين واحدة والان لدينا فلسطينات بعدد اقطارنا، منها المحتل وشبه المحتل والمدرج على القائمة!!.
الدستور 2018-02-27