الأحد الفائت .. عندما تكشفت الوجوه
الأحد الفائت شعرت أن الطريق الى الدولة المدنية الحديثة، المبنية على العدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون والمواطنة ما تزال بعيدة عن أرض الواقع، وان ما نسمعه من كلام كثير حولها، ما هو الا عبارة عن كلام كتب وميكروفونات فقط ولا يوجد ما يدعمه ويؤسس له على أرض الواقع.
لا اخفي أنني كنت أعرف أن طريق الاصلاح طويل، وان معطليه كثر، والمتصيدين والمشككين والمرتجفين منه سيظهرون فجأة لتعطيله ان جدّ الجد، ولكني ايقنت بعد جلسة مجلس النواب الاحد الماضي والتي جاءت على خلفية تعديل وزاري سادس على حكومة الرئيس هاني الملقي جرى قبيل انعقاد جلسة النواب بساعات، بصعوبة الطريق، اذ استمعت خلال الجلسة لمطالب مناطقية ومحاصصة وغضب وثورة بسبب استثناء هذه المحافظة او تلك، وكلها طرق تعبر عن تغلغل المحاصصة في بنيانها حتى النخاع، وسيطرة الجهوية والمناطقية على خطابنا النيابي.
وحتى لا أذهب بعيدا في جلد خطاب النواب، فان ما عبروا عنه يجد رعاية حكومية ايضا، فالحكومات منذ التشكيل وفي التعديل يكون همها تمثيل هذا الطرف او ذاك، وتبحث عن إرضاء تلك العائلة او العشيرة بتوزير احد ابنائها وتعويض عشيرة اخرى بتنسيب احد ابنائها لموقع سفير او عين او رئيس مجلس ادارة على اقل تقدير.
هذا الفكر وتلك الطريقة تتعارضان كليا مع الدولة المدنية التي نحدث عنها أبناءنا في المناهج المدرسية والجامعية ونسمعها كل يوم في المهرجانات والخطب وغيرها، فيما نمارس واقعا مغايرا ومختلفا عنها في الحياة العملية، الامر الذي يجعل من الاصلاح معلبا بلا فائدة ومقتصرا على الكتب والخطب ولا مؤيدين له على ارض الواقع.
الحقيقة المرة ان ذلك لا يقتصر على النواب والاعيان وانما وجد رعاية من قبل حكومات سابقة وما يزال يجد رعاية حكومية حالية وربما لاحقة، وهو ما جعل فكر المحاصصة والجهوية والعشائرية يزدهر ويتطور بفضل حرص الحكومات على المناطقية والجهوية عند التشكيل والتعديل الوزاري، وأستذكر ان تعديلا سريعا جرى على احدى الحكومات لغرض تمثيل محافظات معينة في الحكومة، وهو امر يدلل على تجذر فكر المحاصصة حتى النخاع، ولدى السلطة التنفيذية التي يجب أن تكون الابعد عن هذا الفكر.
المضحك المبكي انك عندما تستمع للبعض وهو ينظّر ويتحدث في الخطب عن المدنية والدولة الحديثة ويقول ان لا ضير لديه لو تشكلت الحكومة وطاقمها من قرية واحدة بشرط اعتماد الكفاءة بالاختيار، فانك ستصاب بالدوار وأنت ترى الشخص عينه يرغي ويزبد ويتهدد ويتوعد بسبب عدم حصول محافظته على اكثر من موقع او موقعين في اي تشكيل حكومي او تعديل.
ببساطة؛ هي حالة "شيزوفرينيا" واضحة سببها عدم وضوح الرؤية والتنصل من مبدأ تكافؤ الفرص، والابتعاد عن الايمان بالدولة كراعية وجامعة للكل، والذهاب لحضن العشيرة والعائلة والمحافظة بعيدا عن الدولة، وللاسف كل ذاك يجد رعاية رسمية وحكومية ودعما وتأييدا واسنادا عبر تعميم هذا الفكر في مناحي الحياة المختلفة.
بعيدا عن فكرة التعديل الوزاري الذي احتفظ بملاحظات جمة عليه، أولها اهمية تغيير نمطية تشكيل الحكومات التي نراها اليوم والذهاب باتجاه اعتماد القوة البرلمانية صلاحية للتشكيل والتعديل وتسمية الوزراء ومحاسبتهم وطرح الثقة بهم دون تدخل من أحد.
الحق، ان طريق الاصلاح ما يزال طويلا وغير معبد ومليئا بالحجارة الكبيرة، واجزم ان الكلام عن الاصلاح ما يزال في الخيال، ولا يجد له آليات تنفيذ على ارض الواقع، ومن توكل لهم مهمة تنفيذ ما يقال حول الدولة المدنية والعصرية والمتطورة، دولة المؤسسات والقانون والمواطنة، لا يؤمنون بكل ذلك، وإنْ اظهروا غيره، واولئك انفسهم من يعملون على ارض الواقع على إفشال الإصلاح وإعاقته.
الغد 2018-02-28