حرب التهويد وكنائس القدس
لم تكن قرارات الاحتلال الاسرائيلي الأخيرة ضد الكنائس في القدس المحتلة، والتي دفعت الى اتخاذ قرار تاريخي غير مسبوق بالاحتجاج بإغلاق أقدس كنيسة في العالم، وهي كنيسة القيامة، القرارات الاولى ولن تكون الاخيرة ضد الوجود المسيحي ومقدساته في القدس وفلسطين.
ورغم تراجع الاحتلال عن قراراته الاخيرة بتعليقه مطالبة الكنائس بالضرائب الجديدة ومشروع قانون الملكية في الكنيست، أمام الوقفة الفلسطينية والمقدسية الصلبة في التصدي لمخطط الاحتلال لتهويد القدس، فان الباب لن يغلق من قبل الاحتلال العنصري بسعيه لفرض قرارات وقوانين اخرى، ضمن سياسته لتهويد القدس واقتلاع الشعب الفلسطيني العربي بمسلميه ومسيحييه منها ومن باقي الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهو لا يستطيع ان يخرج من جلده ككيان سرطاني إحلالي يستهدف تفريغ الارض لابتلاعها والسطو على تاريخها وتراثها ومقدساتها.
هذا الكيان المتغطرس، والمدعوم باكبر قوة متغطرسة في العالم هي الولايات المتحدة، بات يضاعف من جهوده وخطواته العدوانية في القدس والضفة الغربية المحتلة، منذ وصول الادارة الاميركية الجديدة بقيادة ترامب ويمينه المتطرف بدرجات تفوق تطرف الصهيونية ذاتها. ولم يعد خافيا ان كيان الاحتلال بات يسابق الزمن لفرض روايته ومخططاته على القدس وعلى كامل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
استهداف كنيسة القيامة في القدس، اقدس بقاع العالم مسيحيا، يعيد الصراع الى مربعه الحقيقي دون اية مساحيق كاذبة حاول الاحتلال اخفاء صورته تحتها، فالاستهداف الصهيوني لا يقتصر على المقدسات الاسلامية، بل ان كل الوجود العربي وغير اليهودي مستهدف بالمخططات الصهيونية لتهويد القدس.
وقد تعرضت القدس منذ احتلالها العام 1948 واقامة كيان الاحتلال، مرورا باحتلال ما تبقى من المدينة المقدسة في 1967 والى اليوم، الى سياسات واجراءات ارهابية ممنهجة لتفريغ المدينة من سكانها العرب، عبر القتل والتشريد ومصادرة بيوتهم وأملاكهم وطردهم بسحب الهويات وتضييق فرص المعيشة عليهم، كل ذلك تم بمقابل توسيع الاستيطان وجلب المستوطنين بحوافز مالية وحياتية كبيرة، ما ادى الى تراجع كبير في اعداد الفلسطينيين العرب بالقدس مقابل ارتفاع كبير بنسبة اليهود.
الضريبة الاكبر لسياسة التهويد والاستهداف الصهيونية لأهل القدس العرب دفعها مسيحيو المدينة، الذين انخفضت اعدادهم فيها اليوم الى ما بين 10 – 12 الف عربي مسيحي تقريبا، من ضمن نحو 300 الف عربي مسلم ومسيحي، مقابل اكثر من مليون مستوطن اسرائيلي جمعهم الاحتلال من كل أصقاع الارض ليحلوا محل اصحاب الارض والتاريخ والشرعية.
استهداف الكنائس المسيحية واملاكها ومؤسساتها بالقدس يتجه اساسا لاستهداف عشرات الآلاف من المسيحيين والمسلمين ممن تخدمهم هذه المؤسسات ولتي تسهم بتثبيتهم في أرضهم ومدينتهم.
الاخطر في هذه المرحلة أن الاحتلال الصهيوني يسعى جاهدا لاستغلال ولاية ادارة ترامب، التي تضم من عتاة الصهاينة والمتطرفين ما لم تشهده ادارة سابقة، لتسريع مخططاته ومشاريعه وقوانينه العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وفرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي، كما حدث في قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل سفارة بلاده اليها، وهو موقف أميركي متواطئ مع الاحتلال يُخشى أن ينسحب على قضايا المستوطنات وباقي الجرائم الاسرائيلية.
خطورة الاستهداف الصهيوني الجديد للكنائس ومسيحيي القدس، كما لمسلميها، هو انه ياتي في سياق حرب صهيونية ديمغرافية تهويدية على القدس والضفة المحتلة، حيث يتبنى كيان الاحتلال اليوم ما يسمى بمشروع العشر سنوات لإقامة مليون شقة استيطانية جديدة، تستوعب 10 ملايين مستوطن جديد، من بينها 300 ألف شقة استيطانية في القدس المحتلة وحدها، تستوعب نحو مليون مستوطن جديد تقريبا، وهو مشروع لا يمكن ان يمر دون تفريغ الارض من اصحابها، بمسيحييهم ومسلميهم، وتهجيرهم خارج القدس وخارج وطنهم المحتل!
الغد 2018-03-01