"أمة من العباقرة"
تعود العلاقات الأردنية الهندية الى نحو 65 سنة حقق البلدان خلالها انجازات مهمة، لكن امام هذه العلاقات اليوم وبعد الزيارة الملكية الاسبوع الماضي، المزيد من الفرص لبناء شراكة اقتصادية وتنموية قد توفر للأردن بدائل اقتصادية جديدة اذا ما تم تطوير مسارات كفؤة وجدية لتبادل المصالح، فالهند امة عظيمة من العباقرة - كما وصفت- استطاعت هذه الامة خلال عقود قليلة انجاز ازاحة تاريخية كبرى في التنمية والديمقراطية والتحديث بدون نفط او ثروات ريعية وبدون إرث استعماري او علاقات ظالمة مع الآخرين.
يقدر حجم التبادل التجاري الأردني الهندي بنحو 2.5 مليار دولار، وهو مؤهل أن يصل الى خمسة مليارات حتى عام 2020، وفي الوقت الذي قطع فيه البلدان شوطا لا بأس به في مجالات البوتاس والفوسفات وصناعات الاسمدة الكيماوية وصناعة الالبسة والمنسوجات، فما تزال هناك قطاعات متعددة يمكن ان يتم تطويرها وبالتحديد في مجال السياحة التي من المتوقع ان تشهد ازدهارا واسعا مع استكمال الجانب الأردني لإجراءات رفع القيود وتسهيل حركة انتقال السياح، وعلينا أن ننظر بجدية الى اتساع الطبقة الوسطى الهندية في العقد الاخير نتيجة التنمية والازدهار الاقتصادي وكيف بات ينعكس هذا التطور في ازدياد الرغبة والقدرة على السفر والسياحة، وتعد الشرق الاوسط واحدة من المناطق الجاذبة للهنود، اما المجال المهم الاخر وهو تكنولوجيا المعلومات والصناعات الثقافية الرقمية التي يمتلك الهنود ميزات تنافسية عالية فيها سواء في الخبرات الخلّاقة او العباقرة الصغار من الشباب ورواد الاعمال الجدد والمبتكرين ما يتيح المجال امام طرح برامج للتشبيك والشراكات التي قد تجعل الأردن يستعيد جانبا مهما مما أضاع من فرص في هذا المجال خلال العقد ونصف العقد الأخيرين.
من المتوقع ان تشهد السنوات الخمس القادمة ورشة اعمال اقتصادية تاريخية في جوار الأردن ترتبط باعادة الإعمار في الجوار السوري العراقي وفي إسالة عشرات المليارات من الصناديق السيادية في استثمارات كبرى كما هو متوقع في شمال غرب السعودية، والكثير من الاقتصادات العالمية الصاعدة تراقب بحرص هذه التحولات ومنها الهند، ما يفتح المجال امام الأردن ان لا يكون مجرد بوابة لعبور الانشطة والاستثمارات ورجال الاعمال بل محطة متقدمة في صناعة الاقتصاد الجديد في المنطقة في الجوانب اللوجستية وفي الخدمات المتعددة وفي بناء الشراكات الجديدة.
ان الثقل الثقافي الهندي وتجربة اصلاح التعليم التي شهدتها هذه البلاد الكبيرة التي طالما عانت من الجهل ومشكلات تعثر التنمية باتت اليوم تشكل انموذجا ملهما للعالم، وهي التي قادت الهند ان تكون خامس اقتصاد في العالم وصاحبة اكبر اسواق ناشئة في العالم ايضا، وفي هذا المجال علينا ان نتعلم من الهنود هذه الدروس ربما تكون مفيدة لنا في بعض جوانبها اكثر من دروس فنلندا والسويد وغيرهما.
في الكتاب الشهير "أمة من العباقرة" تعرض الكاتبة "أنجيلا ساينى" كيف استطاعت الخبرة الهندية التقليدية والحداثية تغيير مزاج وهوية التنمية والتحديث في العالم؛ فالأمة القديمة تعرف اليوم بزراعة الحواسيب كما تفوقت في زراعة الارض والفلاحة اي ان اكثر شعوب العالم تدينا والتزاما بالقيم والتقاليد المحلية استطاعت تجاوز تلك العقدة وطورت خلطتها الحضارية الخاصة. العالم يعرف المعهد الهندي للتكنولوجيا والمعهد الهندي للعلوم ولكنه يعرف جيدا قصة المعهد الوطني للبحوث النباتية؛ أي اهمية قيم الانتاج وتطويع التكنولوجيا في تطوير أنموذج مختلف في التنمية. فالتنمية الحقيقية ن تتعلم من الآخرين وأن تنتج نموذجك التنموي الخاص.
الغد 2018-03-03