من يرفض الدولة ويحارب الاستثمار؟!
من جديد يعتدى على مستثمرين أجانب تحت تهديد الخاوة والبلطجة، ومن جديد نستنكر ونرفض تلك الاعمال القذرة ونعتبرها ضد البلاد والعباد وضد الاستثمار والمستثمرين، وهي تطاول على القانون والنظام والاستقرار.
حقيقة الأمر؛ أن قصتنا ليست محصورة في اعتداء مرفوض ومدان من قبل أزعر على مستثمر، وليس في طلب فرد أو أفراد (خاوة) من صاحب هذا المصنع او ذاك، وإنما القصة أكبر من ذاك وأعمق، ولو أردنا تبسيط الأمور وتقزيمها فإننا سنشيح بوجهنا عن حقيقة ما يجري ونقول إن الموضوع محصور بمجموعة زعران خارجة عن القانون، وأن يد القانون والعدالة ستكون لهم بالمرصاد.
للأسف فإن ظاهرة (البلطجة والخاوات والأتاوات) باتت ظاهرة يتوجب أخذها بعين الاعتبار، وهي ليست محصورة ضد المستثمرين الأجانب فقط، وإنما تتعلق بمستثمرين محليين أيضا، فلطالما سمعنا عما يشبه (الخاوات والبلطجة) بحق شركات اردنية عانت مما نراه اليوم يحصل مع مستثمرين.
معالجة الظاهرة بحاجة لتشخيص حقيقي ووقوف جريء على أسبابها ومسبباتها، ومعرفة إن كان لمثل تلك الظاهرة أياد خفية تدعمها وترعاها وتتبناها في بعض الأحيان أم لا، وبعد ذلك اتخاذ القرار الأنسب لاجتثاثها من جذورها.
للأسف لو اردنا الوقوف أمام الحقيقة فسنجد أن فكر البطلجة يكبر ويتوسع في المجتمع دون أن نجد من يوقفه، فهناك بلطجة تخضع لها الحكومة حينا، عندما يتم الاستجابة لمطالب محاصصة او الرضوخ لفكر إقصائي، وهناك رعاية مجتمعية أحيانا لمثل تلك التصرفات.
كل ذلك سببه الرئيس اعتمادنا كمجتمع على فكر الواسطة والمحسوبية والجهوية والعشائرية وغيرها من تصنيفات مرفوضة لتسيير أمورنا المدنية، وأيضا إبعاد مبدأ العدالة والشفافية والمواطنة لمعالجة اختلالاتنا التي نعاني منها، فلو أمعنا النظر قليلا فسنجد أن التعليم الجامعي يتراجع بشكل ملحوظ، وسنجد أن قدرة الإدارة العامة لم تعد كالسابق من حيث الكفاءة والمسؤولية، وسنجد أن الترهل بات يضرب في سواد المؤسسات الحكومية حتى بات الترهل الإداري ظاهرة تتقدم على ظاهرة التفوق والابداع، وهناك الكثير من الظواهر التي يمكن سردها في هذه العجالة.
طبعا سيتراجع التعليم عندما تسود الواسطة والمحسوبية، وكيف لا يتراجع ونحن نعرف أن طريقة الابتعاث الجامعي بشكل عام بحاجة لمراجعة شاملة، بحيث لا يتم فيها تنحية من يستحق لصالح من لا يستحق، وللأسف هذا ايضا يجري في الادارة العامة، حيث بات من يعمل ويجتهد ولا يملك واسطة، في أدنى السلك الوظيفي فيما يترقى ويصعد من يملك واسطة تستطيع الدفاع عنه!.
الأنكى أن السلطة التنفيذية تعرف ذلك يقينا، ولكنها تستمر بوضع الرأس في الرمل وتسهم في تعميم فكر الواسطة والمحسوبية والجهوية، عبر إمعانها في تعيينات مناطقية حينا، واسترضائية حينا آخر، وتكريس فكر المحاصصة الذي يخالف في واقعه ومفهومه فكر الدولة المدنية الحديثة التي ننادي بها عبر خطب المنابر فقط.
طبعا لا بد من مقاومة أولئك الذين يريدون إعاقة الاستثمار في البلاد، ووضع حد لهم، ولجمهم، ولكن في الوقت عينه علينا معرفة أننا لو استمررنا في الطريق الذي نسير عليه راهنا عبر تكريس الواسطة والمحسوبية والمناطقية فإننا سنجد لاحقا مئات البلطجية والزعران الذين سيخرجون من رحم المجتمع معتقدين أن القوة والبلطجة هي التي تسود وتستمر وأن البقاء للأقوى وليس للقانون.
المطلوب عدم دفن الرأس في الرمل، وإخراجه حتى نرى بوضوح، ومحاربة الواسطة والمحسوبية، واتباع سياسة أن الأكفأ والأجدر هو الذي يستمر ويواصل، وإقرار قوانين تجرم طرق الواسطة والمحسوبية والجهوية وتدين من يتعامل بها، قوانين تفعل على أرض الواقع بحيث لا تكون حبرا على ورق فقط.
المطلوب أن لا يرهب الدولة أي شيء، ومحاربة الفساد بشكل حقيقي، وتقديم الفاسدين للعدالة، وإلا فإن ظواهر البلطجة والبلطجية ستستمر ولن نستطيع وقفها.
الغد 2018-03-05