كيف نوقف منتحراً؟
فسرت واحدة من المذيعات ظاهرة تزايد عدد المنتحرين بشغفهم ومحبتهم للاستعراض، وإنهم فقط يتوقون لجذب الانتباه إليهم: عظم الله أجركم!. فلو انتحر أحد بسبب هذا التبرير الحلمنتيشي لما لمناه.
هذه الصبية لا تفرّق بين من وجدوا جثته وزبد السم متيبس على شفتيه، أو معلقاً بحبل، أو بمسدس في يده المفتوحة. أي هي لم تفرق بين من غدا في الغيب، وبين المحاول للانتحار في زحمة الناس.
المؤمن بنظرية الاستعراض هذه كأنه يقول، إن المنتحر يرغب أن يرى نفسه ميتاً، أو يحتاج معرفة ردة فعل أهله وأصدقائه وزملائه، وحجم النقص المترتب على حياتنا السريعة بغيابه.
نعلم أن من يريد الانتحار جازماً لن يصده أحد؛ فنحن نتفاجأ بالمنتحرين، ونندهش كيف يخبئون ذلك الإصرار على إنهاء حياتهم، مع ما يبدو عليهم من حياة طبيعية، لا تنبئ بقاتل جسور مخبوء تحتها.
كان على تلك الشابة أن تقول إن جلّ المحاولات الفاشلة، الفاشلة فقط، تنبع من رغبة في الاستعراض ولفت الانتباه. فالناوي لا نقدر صده، أما المستعرض والممثل، فشرطي مرور قد يعيده إلى رشده، أو بعض المارة المصادفين عن سياج الجسر.
المحزن أن لا أحد قدم لنا نظرية يقينية عن معنى النقطة التي يصلها المنتحر لحظة انتحاره. ولهذا لدينا فرضيات متنوعة حول الموضوع؛ الفقر والضنك والبطالة نظرة مرفوضة تماماً؛ لأننا نرى منتحرين من كل الطبقات والمستويات والثقافات.
نحتاج أن نعلي شأن الحياة، نعمق فهمنا لمعانيها، نغرس في أبنائنا وطلابنا حبها وسعينا لها ما استطعنا السبيلا. نحتاج للترويج أن السعادة في الطريق، لا في الوصول والقمم. وأننا سنواجه مصاعب نتمتع بدحرها. نريد أن نغرس فيهم روح التحدي.
الأهم أن نشيع ثقافة أن جماليات الحياة ليست دوماً في الأشياء الكبيرة، ولا في تحقيق عظائم الأحلام. السعادة في أشياء صغيرة؛ وردة شقت إسفلت الشارع، في شجرة فتتت جلموداً بأناة، السعادة لون الشفق بعد الغروب، تلمس ندى العشب وجه الصبح، بوح الفجر وهدوء الطرقات. زغردة المزاريب في كانون، وحيتان الغيوم السابحة في زرقة السماء.
نحتاج أن نوحي لهم، أن السعادة والحياة قد تكون في ضحكات أطفال، في الأكل على جوع. بمهاتفة صديق يحسبنا نسيناه. نريد أن نعلمهم أن يبتسموا مهما كانت الظروف. نحتاج أن نبني ثقافة حب الحياة والحث عليها، كي نقدّر قيمتها، فلا نهدرها.
الدستور 2018-03-06