الهند.. حضور الرؤية الأمريكية- الصينية وغياب العربية

تم نشره الثلاثاء 06 آذار / مارس 2018 01:12 صباحاً
الهند.. حضور الرؤية الأمريكية- الصينية وغياب العربية
حازم عياد

الهند بقاطنيها البالغ تعدادهم ملياراً و300 مليون نسمة حققت قدرا من النمو وضعها على خارطة القوى الاقتصادية العالمية بناتج قومي تجاوز 2.2 ترليون دولار فاتحا شهية الشركات الاجنبية والاستثمارت العالمية للاستفادة من السوق المتوسعة بتخليقها طبقة وسطى مستهلكة محتملة، علما بأن اندونيسيا حققت ناتجا قوميا بلغ ترليون دولار وتعداد سكانها لم يتجاوز بعد 300 مليون نسمة ما يجعل من اندونيسيا معجزة حقيقية ولكنها لا تحظى بذلك الاهتمام الكبير في العالم العربي.
المقارنة ضرورية بين الدولتين فهي تكشف المغالطات التي تقع فيها النخب والانطباعات التي ينساق لها عامة الناس؛ فأمة العباقرة تتنافس مع أمة العمل والاجتهاد الاندونيسية؛ فرغم القفزة الكبيرة التي حققتها الهند الا انها تعاني منذ العام الماضي 2017 من تراجع في نسب النمو وهشاشته وارتفاع مستوى الفقر وغلاء المعيشة، كما انها تعاني من طبقية مدمرة عززها نمو طبقة من رجال الاعمال والشركات المهيمنة التي تمكنت من بناء جزر معزولة عالية الجدران.
الاخطر من ذلك وجود تباينات بين الاقاليم واضحة في نسب الانتاج والنمو ومؤشرات الفقر بل الانتحار والانهيارات البيئية والصراعات السياسية والعسكرية، وتنامي الروح القومية والطائفية التي عكسها فوز الحزب اليميني بهارتها جاناتا؛ فالهند تعاني من قصور مزمن كبير يجلعها غير قادرة على تجاوز دورها الاقليمي او توسيع طاقتها الانتاجية والسوقية.
في ضوء هذه الحقائق الاولية، فإن امريكا لا ترى في الهند منافسا او تهديدا حقيقيا خصوصا انها في حالة عداء مستحكم مع الصين؛ فالهند من منظور امريكي عائق اساسي امام تمدد نفوذ بكين في المحيط الهندي ووسط اسيا وغربها كما تنافس الصين في القارة الافريقية وتعد وكيلا محتملا لأمريكا.
الهند من منظور امريكي تمثل عائقا امام التوجهات الصينية، وقوة اقليمية قادرة على المساهمة في احتواء ايران وباكستان والاستعاضة عن تركيا، والاهم من ذلك خلق شراكات مع حليفها الكيان الاسرائيلي في المنطقة العربية الذي يعد اسفينا قاتلا في خاصرة العالم العربي؛ فدور الهند المتخيل امريكيا لم يعد يقتصر فقط على مواجهة الصين او احتواء باكستان وايران إنما أخذ يتمدد نحو المنطقة العربية بشكل مريب بعد ان فقدت واشنطن حليفها التركي والباكستاني، وتعرض نفوذها في العالم العربي الى هزات قوية بفعل الربيع العربي والتدخل الروسي في سوريا وتصارع حلفائها بعد اندلاع ازمة الخليج «الأزمة المخملية»؛ فالهند تقع في منتصف الطريق بين شرق العالم الاسلامي وغربه وركيزة مستقبلية لرسم وصياغة الاستراتيجية الامريكية تجاه العالم الاسلامي او ما يمكن تسميته «السياسة الاسلامية لأمريكا».
من منظور صيني، فإن الهند تهديد وخطر محدق وعائق امام تمددها في وسط وغرب اسيا وافريقيا؛ ما دفع الصين الى تجاوز هذه العقد بتطوير علاقاتها بنيبال المجاورة للهند، والباكستان وايران وتركيا عبر مشروع طريق الحرير والبهارات «حزام واحد - طريق واحد»؛ فأنشأت العديد من الموانئ في بنغلادش وايران وباكستان لتطل على المحيط الهندي وبحر العرب متجاوزة العوائق الهندية، بل وسعت نشاطها منذ زمن بعيد مع السودان وأنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي وباتت اساطيلها تجوب المحيط الهندي مقتربة من المياه الاقليمية الهندية ومناطق نفوذها.
فالمعركة الناشبة في المحيط الهندي ووسط أسيا لا تقتصر على تجاوز عقدة الممرات البرية التي تقف عائقا امام الصين في أسيا الوسطى، بل على العوائق البحرية الممثلة بمضيق ملقة الذي يربط بحر الصين الجنوبي بالمحيط الهندي، عائق تجاوزته الصين بمهارة عالية بتشييد الموانئ في بنغلادش وباكستان وايران.
جهود امريكا لم تتوقف لمحاصرت الصين؛ اذ طورت بدورها العلاقة مع فيتنام مؤخرا وتوجت بزيارة حاملة الطائرات الامريكي كارل فينسون لفيتنام لأول مرة بعد مرور 43 عاما على الحرب، وميانمار التي تتجاوز امريكا عن جرائمها وتتجاهلها، وحولت الهند الى محور اساسي في تطوير هذه الاستراتيجية لمحاصرة الصين واحتوائها متجاوزة حليفها الباكستان.
الهند من منظور امريكي مجرد عقدة جيوسياسية يمكن اضافتها لمواجهة التهديد الصيني الاقتصادي والعسكري لا في المحيط الهندي فقط بل في جنوب شرق اسيا؛ اذ تملك علاقات قوية بماليزيا التي ترى في الصين مصدر ازعاج وهو تقارب خطر من الممكن ان يعطي مفعولا عكسيا يمكن الاستعاضة عنه بتكتل يضم اندونيسا وتركيا وباكستان بدل الاعتماد على الهند.
الهند اداة تستثمرها امريكا لمضايقة باكستان، وتحاول استثمارها في المنطقة العربية بعد تدهور علاقاتها بباكستان وتركيا، وتوتر العلاقة مع ايران، وتستثمرها كأداة من ادوات التطبيع مع الكيان الاسرائيلي المسخ؛ مسألة ستقود الهند ان سارت على خطى الاستراتيجية الامريكية الى العزلة عن محيطها الجغرافي والثقافي، وستجعلها اكثر يمينية واقترابا من الكيان الصهيوني والفيدرالية الامريكية؛ مسألة تنبهت عليها بعض النخب الهندية، وحذرت منه.
العرب لا يوجد لديهم تقديرات خاصة للتطورات في المنظومة الدولية؛ اذ انكبت الامارات العربية على تمويل مشاريع الفضاء الهندية، وتقنية الاقمار الصناعية والصواريخ البالستية والفضائية، مسببا انزعاجا كبيرا في باكستان؛ فالاستثمارت الاماراتية كبيرة بل ان المملكة العربية السعودية عمدت الى الاحتفاظ بجزء من مخزونها النفطي في الهند، معززة من مكانتها على حساب اندونيسيا وباكستان وتركيا؛ ما دفع احد المسؤولين الاتراك الى دعوة دول الخليج الى الاستثمار في تركيا واندونيسيا كبديل للهند.
الرؤية العربية المستقلة والمبنية على قراءة عميقة وبعيدة المدى تبدو مفقودة؛ فالصين ومن ورائها اندونيسيا وتركيا تعد الشريك الاوثق للعرب مستقبلا، وليس الهند، والعرب غير معنيين بمضايقة الصين لصالح دولة تبدو هشة في تكوينها الاقتصادي والسياسي والاثني، وتعاني من قصور كبير ومزمن؛ فسياساتها محل خلاف بين العرب والدول الاسلامية، وإمكانية تماهي الهند مع الاستراتيجية الامريكية التي لا تعمل لصالح المنطقة العربية والعالم الاسلامي؛ اذ تلتقي مع رغبات الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، والرغبات الامريكية في وسط وجنوب شرق أسيا؛ سياسة قصيرة النظر تفاقم من حالة التفكك والضعف في العالم العربي والاسلامي وتفاقم من حالة الارتهان للسياسة الامريكية المتخبطة، وتقوم على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وترتبط شرطيا به.
ليس من مصلحة العرب الذهاب بعيدا في العلاقة مع الهند خصوصا انها لم تنسحب من كشمير الباكستانية، وتكن عداءً شديدا لبنغلادش وباكستان وتنشئ السدود وتعيق التنمية في البلدين والاخطر، إنها تتعاون مع الكيان الاسرائيلي بشكل مريب، وتعد بوابة للتطبيع معه؛ امر نبه عليه معهد بروكغنز الامريكي في دراسته الاخيرة التي تحدث فيها عن دور هندي في عملية السلام في اطار دولي، الا انه شكك في إمكانية نجاحها واستمرارها بلعب هذا الدور، مؤكدًا قصورا ذاتيا تعاني منه الهند كقوة اقليمية حتى من منظور امريكي.
مقاربة التعامل مع الهند يجب ان تبتعد عن الرؤية الامريكية قدر الامكان، وان تتماهى مع التوجهات العامة الآخذة في التطور في النظام الدولي، وان تراعي مصالح القوى الاسلامية وعلى رأسها باكستان واندونيسيا؛ فالهند جار عملاق جغرافي وديموغرافي، واحتواؤه مسألة ضرورية وحيوية، ولكن تحويلها الى قوة اقليمية مهيمنة ومتعاونة مع الكيان على حساب باكستان وتركيا واندونيسيا يعد ضربة قاتلة للعالم العربي ولمستقبله.

السبيل 2018-03-06



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات