أمريكا تشعل فتيل الحرب التجارية
حذر رئيس منظمة التجارة الدولية (WTO) من ركود عالمي ناجم عن السياسة الاقتصادية الجديدة التي تتبعها الفيدرالية الامريكية، والتي كان آخرها اعلان واشنطن عن سياسة جديدة للتعريفات الجمركية؛ إذ اعلن الرئيس الامريكي ترمب رفع التعرفة الجمركية على الحديد والصلب لتبلغ 25% على الحديد، و10% على الالمنيوم، مستهدفا بذلك الصين، بحسب ادعائه.
الاعلان الامريكي لم يزعج الصين التي لا تتجاوز حصتها 2%، غير انها ازعجت استراليا التي حذرت من حرب تجارية وركود عالمي، والحال ذاته مع كندا التي تعد المورد الاساسي للحديد للفيدرالية الامريكية والمكسيك وأوروبا؛ فالاتحاد الاوروبي حذر من الرد باتباع سياسة المعاملة بالمثل، لترد الفيدرالية الامريكية على تهديدات الاتحاد الاوروبي بمزيد من الاجراءات؛ بفرض ضرائب جديدة على تجارة السيارات الاوروبية، وعلى رأسها الالمانية.
الحرب التجارية من ناحية عملية اندلعت ولم تعد مجرد فرضيات ونبوءات مستقبلية، وتداعياتها المباشرة بدأت بالظهور على اسواق المال والاسهم في الاسواق العالمية؛ ما يعني بأن النبوءات المتعلقة بركود عالمي اصبحت حقيقة تتسلل يوما بعد آخر الى الاسواق العالمية بشكل سينعكس على مستويات النمو للتجارة الدولية والنمو العالمي؛ معركة تتخذ أوجهًا متعددة ووجهات مختلفة، خصوصا بعد اعلان دول الاتحاد الاوروبي عن نيتها فرض مزيد من الضرائب على شركات التكنولوجيا الامريكية على راسها Google و facebook وAmazon باستهداف مبيعاتها لا أرباحها.
الاجرءات الامريكية رغم ان هدفها المعلن كان الصين، غير ان آثارها تجاوزتها مشعلة فتيل حرب تجارية عالمية؛ فالقرارات الامريكية عصفت بالاسواق الاوروبية والاسترالية والكندية، لتضيف عنصرًا جديدًا الى التوتر القائم بين امريكا وشركائها وحلفائها الذين ظهروا في المشهد كمتضرر اساسي من السياسة الامريكية، مطالبين باستثناءات دعت لها استراليا؛ امر دفع مسؤولين في الادارة الامريكية الى القول بأن مطالب استراليا بوضع استثناءات مسألة قابلة للدراسة.
الصين من ناحيتها اكتفت بالتحذير من الخطوة الامريكية، وتقديم خطاب متقدم على خصمها التجاري امريكا بطرح نفسها كقائد جديد للعولمة الاقتصادية؛ فالخطوة الامريكية ستجعل من الصين ملاذا للقوى الاقتصادية الدولية، ولمنتجي المواد الخام في افريقيا وامريكا اللاتينية وأسيا، لتعزز نفوذها في الدول المنتجة على حساب النفوذ الامريكي.
في حين ان شركاء امريكا وحلفائها الغربيين كأستراليا وكندا واوروبا باتوا خصوما ومنافسين مطالبين باستثناءات ستفقد القرار الامريكي قيمته العملية التي لن تمس الصين إنما تمس نفوذ وعلاقة امريكا بالمنتجين الصغار في الدول النامية في القارات الثلاث (أسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية والجنوبية)، وهي معضلة تشكلت ويصعب الفكاك منها بعد اشعال فتيل الحرب التجارية.
امريكا تسرع في إجراءاتها الاستفزازية، وتعكر المناخ الدولي بمزيد من الاجراءات السياسية والامنية والاقتصادية نزقة وغير مدروسة؛ اذ لم تكتف بإجراءات اقتصادية بعد ان عمدت الى الانفتاح الواسع على جزيرة تايوان، دافعة الصين الى تحذير بكين للحكومة التايوانية من الاندفاع في سياسة الاستعانة بالاجنبي على حساب البر الصيني الأم.
المناخ السياسي الدولي اصبح مليئا بالغيوم المتلبدة في سمائه، منذرًا بحروب تجارية وصراعات عسكرية جديدة وبؤر ساخنة، زوابع واعاصير تثيرها واشنطن في كل مكان في محاولة للدفاع عن مركزها المهتز في النظام الدولي بإجراءات تمتاز بالتهور المشوب بقدر من النزق والتشنج؛ فواشنطن تدرك بأن امكانية الحفاظ على نظام دولي أحادي القطب مسألة باتت من الماضي؛ ما دفعها لإثارة فوضى عارمة اشبه ما تكون بالتخبط الاعمى؛ اذ لا يرجح أن تسهم الإجراءات الامريكية بإعادة عقارب الساعة الى الخلف، إنما ستزيدها عزلة على المستوى الدولي وتدفع الشركات المحلية فيها الى البحث عن بيئة استثمارية اكثر انفتاحا واقل تهورا ونزقًا من البيئة الامريكية المأزومة.
السبيل 2018-03-07