الدجاجة والبيضة.. كلاكيت 2
اتصل معي أمس عبد الهادي المجالي، مؤسس حزب التيار الوطني وزعيمه، موضّحاً بعض التفاصيل والنقاط المرتبط بمقالتي عن الاجتماع الذي عقده 33 حزباً سياسياً واتفقوا فيه على وضع إطار عام لمفهوم الإصلاح السياسي.
على العموم، التوضيح مهم ولا يتناقض مع ما ذكرته عن حالة العجز والفشل الذاتي، بالإضافة إلى الظروف الموضوعية، لدى الأحزاب الأردنية، لكنّ الجدير بالتفكير والاهتمام والنقاش هو موضوع بناء تفاهم بين هذه الأحزاب الهائلة على أمرين؛ الأول عام يتعلّق برؤاهم الإصلاحية، والثاني إجرائي بضرورة الاختزال والتكتل، والتخفيف من هذا الكمّ الكبير غير المجدي في المشهد الحزبي، من خلال تجمع كل أحزاب لديها أجندات متشابهة أو متقاربة في الحدّ الأدنى.
بالعودة إلى الأمر العام وهو وضع تعريف محدّد ومفهوم واضح للإصلاح السياسي في الأردن، ما المقصود به؟ وما هي الصيغة المطروحة لتطوير النظام السياسي وتحسين الأداء والمخرجات؟ لأنّه بالرغم من كل ما يقال عن الإصلاح السياسي والتشريعات، نجد في الحراكات الشعبية والسياسية حالة من عدم التوافق في التعريف والأولويات والمفاهيم؛ وهواجس متبادلة داخلية وشكوكا كبيرة بين القوى السياسية نفسها.
هل نريد نظاماً ديمقراطياً حقّاً؟ وحكومة نيابية؟ ما هي مواصفاتها؟ وهل يكفي ذلك أم نريد دولة قانون ومواطنة وحاكمية رشيدة؟ وكيف يمكن تحقيق هذه الغايات؟ وهل هذا التصوّر محل اتفاق بين القوى والأحزاب السياسية، أم أنّ هنالك خلافا حتى على تعريف المواطنة في الأردن وعلى وجهة الإصلاح ومضمونه ومفهوم الدولة التي نريد في نهاية اليوم!
وتم التوافق في الاجتماع، أيضاً، على تعريف الإصلاح الاقتصادي المطلوب وهوية الاقتصاد الأردني؟ ومواصفات العملية الاقتصادية في البلاد؟ وكيفية الخروج من الأزمات الاقتصادية والمالية؟ وهذا لا ينفك أبداً عن جدلية الاقتصادي والسياسي في الأردن (معادلة الدجاجة والبيضة ما غيرها) أيّهما يأتي أولاً الإصلاح الديمقراطي السياسي (كما يطالب الإصلاحيون) أم الاقتصادي (كما تؤمن النخبة الليبرالية في مواقع القرار الاقتصادي والإداري اليوم)؟..
وهكذا ما نزال نعيد ونكرر ونجترّ أسئلة وتساؤلات يفترض أنّنا أجبنا عنها منذ عقود طويلة، وأنّ خريطة الطريق واضحة ونسير نحو تحقيق أهدافنا ومصالحنا الوطنية، لكن الواقع أنّنا ما نزال مختلفين على كل شيء تقريباً؛ بداية من هوية الدولة (مدنية، عشائرية، مزيج..) إلى مفهوم الإصلاح السياسي وصولاً إلى هوية الاقتصاد الوطني!
بالطبع الدستور هو الناظم الرئيس في العملية السياسية، والوثيقة التي تحدّد هوية النظام السياسي والأدوار والحقوق والواجبات. لكن ذلك لا ينفي أنّ هنالك أيضاً - في كل الأنظمة السياسية- مساحات تملأُها الثقافات والتفاهمات الوطنية والتوافقات بين الجميع، بخاصة في المراحل الانتقالية في حياة الشعوب والدول، يطلق عليها البعض "عقدا مجتمعيا" بين المواطنين مؤسساً للعقد الاجتماعي بين الحكم والشارع.
في الأردن لنا تجربة مهمة ومفيدة، ويمكن البناء عليها، وهي تجربة الميثاق الوطني، التي أسست أرضية مشتركة صلبة، وبالرغم من أنّ جزءاً من هذه المبادئ ما يزال قوياً ويصلح ليشكّل أساساً للتفاهمات الوطنية، فإنّ المطلوب البناء عليها وتطويرها وتحديث بعض القضايا والمفاهيم والتصوّرات، وربطها بوثائق أخرى لاحقة، وتحديداً الأجندة الوطنية ومخرجات لجنة الحوار الوطني، التي تناولت في مبادئ الإصلاح السياسي في الأردن (في الديباجة) هذه المفاهيم بدرجة عالية من الوضوح.
في نهاية اليوم. لن نخطو خطوة واحدة للأمام، ولن نتجاوز معادلة "الدجاجة والبيضة"، وسنبقى ندور في حلقتها، إن لم تنعكس هذه المفاهيم والتصورات على أرض الواقع، وتأخذ طريقها إلى التطبيق العملي.
الغد 2018-03-08