قبل أن نتفق مع الرئيس!
قد لا يختلف أحدٌ مع رئيس الوزراء د. هاني الملقي والحكومة وخبرائها الاقتصاديين، من أن أحد الحلول الرئيسية للازمة الاقتصادية والاجتماعية في الاردن هي في توجه الشباب الاردنيين إلى العمل في القطاعين الخاص والحر وكسر ثقافة العيب، وعدم التركيز على طلب العمل في القطاع العام، المثقل باعبائه والمتضخم حدّ التخمة والترهل.
نعم؛ سياسات التشغيل لا التوظيف، في القطاع العام أساسا، هي المدخل الصحيح والمنتج لحل أزمة البطالة التي تفتك بعشرات آلاف الشباب الأردني، وتعمق من أزمة الفقر والفاقة لآلاف الأسر التي أطاحت السياسات الاقتصادية الرسمية بأوضاعها ومستوياتها المعيشية إلى أسفل درك، دون أن تستطيع شبكة الأمان الاجتماعي الحد من رحلة الانحدار المعيشية المتواصلة بثبات وقسوة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بفجاجة، بعد الإقرار بضرورة اعتماد سياسة التشغيل في القطاعين الخاص والحر بعيدا عن الوظيفة الحكومية، هو عن سر الفشل والتعثر في الوصول لمثل هذه المرحلة؟! وعما إذا كانت الحكومة الحالية، التي ترفع شعار إصلاح الخلل بسوق العمل قد أسست حقا، أو على الأقل شرعت في التأسيس، لمثل هذه السياسة الجديدة، ووفرت لها السياسات والإجراءات والتشريعات المطلوبة لترجمتها على الأرض، حتى ننتظر قطف ثمارها ولو على المدى المتوسط؟!
في هذا السياق، يمكن تسجيل بعض الخطوات الإيجابية من قبل الحكومة باطار دعم التوجه للتشغيل وتشجيع الشباب على فتح مشاريع خاصة صغيرة والتوجه للعمل الحر، عبر تخصيص عشرات الملايين من الدنانير عبر صندوق التنمية والتشغيل ومؤسسة الضمان الاجتماعي كقروض إنتاجية للشباب، لكن هذه المبالغ، التي لا نتوقع طبعا زيادتها بصورة كبيرة نظرا لأوضاع الموازنة العامة، لا تحل المشكلة التي نتحدث عنها بصورة شاملة، بل تعالج جزءا يسيرا منها، هذا إن نجحت فكرة توفير القروض وأنتجت مشاريع حقيقية ذات جدوى اقتصادية تغني أصحابها عن الحاجة وتؤمنهم بدخول محترمة.
الراهن؛ أن المشكلة والأزمة الأساسية في عدم نجاح سياسات التشغيل واستمرار الوظيفة العامة، على انخفاض مردودها المادي، مهوى افئدة الشباب الأردني، هي في عدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الأعداد المتزايدة من المتدفقين لعالم البطالة، بل والأكثر إحباطا هو لجوء عدد متزايد من مؤسسات هذا القطاع الى تقليص نفقاتها التشغيلية وأعداد عمالها وموظفيها لتستطيع مجاراة الآثار الكارثية للسياسات المالية والاقتصادية للحكومة، من زيادة ضرائب ورسوم وأسعار الكهرباء ومدخلات الإنتاج، ناهيك عن تراجع القدرات الشرائية للناس في ظل موجات الغلاء المتلاحقة، ما ينعكس على الحركة التجارية وعلى أعمال القطاع الخاص.
مثال فاقع اليوم على مثل هذا الضرب للقطاع الخاص، يمكن مشاهدته بوضوح مع القطاع الزراعي وهو يكاد يكون خاصا بصورة كاملة، فرغم أزماته والتحديات التي ارهقته، جاءت سياسة فرض ضريبة جديدة عليه لتفاقم من أزمته وتضرب مناعته وقدرته على الصمود والنمو، وبالتالي سينعكس ذلك بلا شك على الحد من قدرته على تشغيل الأردنيين، إن لم يكن إلقاء مؤسسات كثيرة فيه لعمالها وموظفيها الى البطالة لتستطيع الصمود والبقاء.
اعتقد أن العلة واضحة وأسباب عدم استيعاب القطاعين الخاص والحر للأيدي العاملة الأردنية مُشخّصة ومعيّنة، ولكن بدلا من الذهاب إلى معالجة الأسباب والأوضاع الطاردة في هذين القطاعين، تفاقم السياسات الحكومية، السابقة والحالية، أزمات هذين القطاعين أكثر، وتغيب الخطط الشمولية والمتكاملة لإنعاش الإقتصاد الوطني، وبالتالي تغيب فرصة أن يصبح القطاع الخاص مولدا لفرص العمل التي تستوعب جيوش الخريجين والمتدفقين لسوق العمل!
أما قضايا ثقافة العيب وانتشارها بين الأردنيين وعشق الوظيفة العامة فاعتقد أنها قضايا فرعية هامشية، يمكن معالجتها وتجاوزها إذا ما تم معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد وسوق العمل، واذا ما تعافى القطاع الخاص حقا وتمكن من العمل والإنتاج دون أوضاع قاهرة وضاغطة على قدرته على البقاء.