دلالات مهمة للتحقيق مع نتنياهو.. تذكروا سلفه
يوما إثر آخر، يضيق الخناق على نتنياهو فيما يتعلق بتحقيقات الفساد، ولولا براعته التي لا يماري فيها أحد، لما طالت قضيته أكثر من ذلك، لكن الرجل الذي يجيد اللعب على الحبال لا زال قادرا على مواجهة الموقف، مستندا إلى مجتمع يميل إلى اليمين، ومنه قطاع كبير يراه قويا وقادرا على الدفاع عن مصالحه، كما يستند إلى اللوبي الصهيوني في أمريكا، بخاصة جماعة «الإيباك»، والآن إلى الرئيس الأمريكي ترامب (كلاهما يسند الآخر في واقع الحال).
إذا ما تمت إدانة نتنياهو، فسيلتحق بسلفه (أولمرت) إلى السجن، وأقله الإقالة في قضايا تتعلق بالفساد، وليس هذا بالأمر الذي يمكن المرور عليه مرّ الكرام.
للقضية وجهها العربي بطبيعة الحال، فهي بالنسبة للمواطن العربي تمثل نقطة قوة للكيان الصهيوني؛ لأنهم يتجنبون تحذير نبينا عليه الصلاة والسلام من مغبة أن يكونوا ممن «إذا سرق منهم الشريف تركوه»، وهو تحذير لا يجد صداه في واقعنا العربي بكل تأكيد، فالقضية التي واجهها أولمرت وحُكم عليه بسببها بالسجن لمدة ست سنوات، ليست سرقة أو رشوة مفضوحة بالمفهوم المتعارف عليه في عالمنا العربي، بل إنها تحدث بشكل يومي من مستويات متعددة من المسؤولين، بل أكبر منها بكثير، من دون أن يقف أحد منهم أمام القضاء، فضلا عن أن يُحكم عليه بالسجن لهذه المدة الطويلة. أما قضايا نتنياهو، فهي تنتمي إلى ذات الفئة التي يمكن توفير تبريرات لها، وهو يفعل بطبيعة الحال، من دون أن يكون بوسع أحد الجزم بالنتيجة.
البعد الأهم في وعي المواطن العربي، فالدولة العادلة التي تساوي بين الغني والفقير، وبين صاحب الجاه والإنسان العادي أمام القضاء هي دولة يمكنها أن تحقق قدرا عاليا من المواطنة والانتماء.
على أن هذا الأمر لا يخفي من زاوية أخرى تلك العنصرية التي تتسم بها تلك الدولة، ليس ضد مواطنيها من غير اليهود وحسب، بل أيضا ضد مواطنيها من اليهود الذين يصنفون درجة ثانية مثل الأفارقة، لكن ذلك يحدث على صعيد الممارسات اليومية، بينما يمكن لكل متظلم أن يذهب إلى القضاء ويحصل على حقه.
الوجه الآخر للصورة التي نحن بصددها، وهي التي تعنينا بدرجة كبيرة، هو ذلك المتمثل في حقيقة المجتمع الصهيوني يتغير على نحو لافت. وأتذكر هنا كلمات الكاتب الإسرائيلي المعروف شمعون شيفر تعليقا على حكم أولمرت قبل 4 سنوات، حين قال: «نحن ملزمون بالاعتراف بأنه في الدولة التي يجلس فيها رئيس في السجن، ورئيس وزراء سابق يرسل للانضمام إليه، يوجد شيء ما فاسد. شيء ما يحتاج إلى نظرة عميقة ومحاولة لمواجهة السؤال: كيف وصلنا إلى مثل هذا الوضع، وما هي العلة في نظام حكمنا؟».
إن تغيرات بنيوية تحدث في المجتمع الإسرائيلي، وهي تغيرات همّشت روح المبدأية فيه، وحوّلته إلى مجتمع استهلاكي يركض خلف ملذاته، وها إن بعض أبنائه يستعيدون جنسياتهم الأوروبية، ويحسبون الأمر بمدى الأفضلية في العيش هنا أو هناك.
لقد تبدى ذلك جليا أيضا في الحروب الأخيرة، فالجندي الذي خاض معركة تموز 2006، لم يكن هو ذاته الذي خاض الحروب السابقة، فقد كان جنديا جبانا يحرص على الحياة بشكل جنوني، الأمر الذي ينطبق على المواجهة مع حماس في غزة خلال الحروب الثلاثة الأخيرة، فضلا عن قصة شاليط من زاوية عدم قدرتهم على احتمال وجود جندي مخطوف، وإن حاولوا تقديم الأمر تحت لافتة أنهم لا يتركون جنديهم مهما كان الثمن، وهو ما ينطبق الآن على قضية الجنود الأسرى، وإن بدا الأمر أقل إلحاحا تبعا للقناعة بأن أهمهم قتيل وليس حيا.
المجتمع الصهيوني يتغير، وهامش المبدأ والانتماء يتراجع فيه بشكل جلي، وهذا يشير إلى أن منحناه قد أخذ في الهبوط، وأن مواجهتنا معه في المراحل المقبلة ستكون أسهل، حتى لو حاول جبر الفارق من خلال التفوق التكنولوجي.
إن انتفاضة شاملة في الأرض الفلسطينية ستؤكد ذلك بكل وضوح، وهذا بالضبط ما يفسّر استماتة العدو في إغلاق جميع النوافذ التي تؤدي إليها.
الدستور 2018-03-13