حُمّى اللغة!
-1-
حِينَ تُصابُ اللغةُ بالحُمّى؛ يَنْمو على جَسَدِها طَفَحُ الخُرافَةِ، وتَهْذي بالاسْتعارات الَمكْنيّة، والضَّمائِر المُسْتَتِرة!
-2-
حين تعجز الشفتان عن الكلام، والأصابع عن الكتابة، هذا يعني أنَّ ثمَّةَ لغة أخرى تبتدع أبجديتها وهي في طور التبرعُم!
الكلام... يتحول إلى عبءٍ ثقيل، في لحظة تسود فيها لغة الجسد!
قيل الكثير عن... لغة الجسد، ولغة العيون، ولغة الكلام. أكثر اللغات بلاغة... لغة الصمت!
حين تضيق العبارة، تشتاق للإبحار في لغة الغيم!
ثمَّةَ كلمة وحيدة في اللغة العربية، إنْ نُكرّت عُرّفت، وإنْ عُرّفت نُكرّت!
كم تشبهك!
-3-
يقال أنَّ آخر كلمتين تفوه بهما أينشتاين للممرضة قبل أنْ يموت... كانتا باللغة الألمانية. الممرضة لم تكن تفهم الألمانية، ولم يعرف أحد ماذا قال!
كم من كلامنا يشبه ما قاله أينشتاين!
الحرف المتمرد، يستقيل من اللغة الكسولة، ويتعلق بأرجوحة عابثة!
كمن يختنق بالكلام، يُـحاولُ أنْ يتنفس حَرْفًا فَـحَرْفًا، فتعلق في الحلق بضع حروف،
تأبى الخروج، لتبقى قريبًا من القلب، تدثره بالدفء، وتحرس نبضه!
أحيانًا، تنتقي من الكلام أعذبه، ومن المشاعر أروعها، ومن الخفقات أكثرها إطرابًا،
ومن الهمسات ما يثير القشعريرة في القلب، ولكنك للأسف لا تجد مَنْ تجود بها عليه، أو لمَنْ تهديها!
-4-
أرْفَعُ طرفَ القَصيدة، وأنظرُ... أهُوَ دَمُ الكلام، أمْ رحيق الحنين، إذْ يَنِزُّ من شفاه الشّغف؟
لا تبتئسْ، خَفّفْ مِنَ الألْحان... إذ تشجيك، أو تنجيك، أو تجلو القوافي،
واختلسْ... مِنْ ثَغْرِها، عَذْبَ الكَلامِ بِلا كَلامْ!
لِتَنْهَض... كَمَنْ يَتَعَثّر بِالحَرْفِ، أوْ قَطْرَةٍ مِنْ حَنانْ! أو غَيْمَةٍ زارَتِ الأرْضَ فجأة، وفي لحْظةِ كاد يَسْقُط أرضًا، كما الطفل فيما تُؤَرْجِحُهُ هَمْسةٌ أوّلَ المَشْي، تَمُدّ له ذِراعًا، أو... شِراعًا، أو يَراعًا.. فَيُبْحِرُ فيها، وَيَنْجو بِآلاءِ فَجْرٍ تَفَجّرَ بِالأقْحُوانْ!
-5-
كانت وحيدة، تقف وسط حطام من الأغصان، زهرة تقاوم العطش، ياسمينة متغربة في بادية بعيدة، وعلى مقربة، كان غروب، يلملم أطراف النهار، وكنت بينهما، حائرًا، تارة أشم رائحة الشفق، وأخرى أتأمل غروب الياسمين!
كلما مددت يدي لأقطف فاكهة الكلام، أتلكأ انتظارًا لنضوج أكثر، ومع كل انتظارـ تتساقط الثمار، في حالة احتضار!
أعذب الكلام، ما تتحدث به أصابعنا، حينما تعزف لحن اللهفة!
الدستور 2018-03-13