درعا على صفيح ساخن... أي تهديدات للأردن؟
بعد هدوء شبه تام، امتد لأكثر من ثمانية أشهر، تعود الجبهة الجنوبية للتسخين مجدداً، وتتضارب الروايات حول الجهة المسؤولة عن حالة التوتر الآخذة في التصاعد، وتتفاوت التقديرات بشأن احتمالات المستقبل القريب وسيناريوهاته.
النظام في دمشق وحلفاؤه، يتحدثون عن استعدادات كثيفة تجريها الفصائل المسلحة الجنوبية، لشن هجوم على مواقع الجيش و”القوات الرديفة”، بدءاً بإزرع وربما وصولاً إلى البادية الشرقية، لتخفيف الضغط عن فصائل الغوطة الشرقية، وإبقاء التهديد في محيط العاصمة دمشق قائماً ... مصادر هذا الفريق، تتحدث عن تفعيل غرفة عمليات “الموك”، وعن أعداد متزايدة من الجنود الأمريكيين في قاعدة “التنف”، وعن تحرك عناصر عسكرية بريطانية وفرنسية إلى نقاط قريبة من الحدود الجنوبية لسوريا... بهذا المعنى، تبدو الضربات الجوية والمدفعية في اليومين الفائتين، وما سبقها ورافقها من حشود عسكرية، بمثابة إجراء استباقي تحسباً لما يمكن أن يحصل.
في حين تنقسم رواية الفصائل المسلحة إلى روايتين: واحدة تصادق على رواية النظام، وتقول إن مقاتلي المعارضة يتحفزون لفتح جبهة جديدة انتصاراً للغوطة الشرقية وتخفيفاً عنها، وكان لافتاً أن كثيرا من مساجد المنطقة الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل، قد أعلنت النفير العام لنصرة الغوطة، وأن ما يمنع هذه الميليشيات من شن هجماتها واسعة النطاق، هو “غرفة الموك” ... والثانية، تقول إن النظام بصدد الانتقال من الغوطة الشرقية إلى فتح جبهة درعا، وإن ما تقوم به الفصائل من عمليات استعداد ونفير وتحشيد، ليس سوى عملاً استباقياً، يندرج في إطار الاستعداد لمواجهة أسوأ سيناريو.
إن ما يجري في درعا ومحيطها، ليس معزولاً أبداً عن “الصورة الكبرى” للتطورات الأخيرة في الأزمة السورية، وتحديداً ما يتصل منها بتفاقم حدة التوتر بين موسكو وواشنطن، وتبادل التهديدات والتهديدات المضادة، وبصورة غير مسبوقة منذ اندلاع هذه الأزمة ... فموسكو من جهة، تعتقد أن واشنطن ماضية في مساعيها لاستهداف النظام، وأنها حريصة أشد الحرص، على إبقاء الغوطة الشرقية، شوكة في خاصرته... وواشنطن الساعية للاحتفاظ بوجود عسكري مستدام في سوريا، ماضية في سعيها لإبقاء الجرح الروسي – الإيراني – السوري، نازفاً في سوريا.
الأردن، لا ناقة له ولا جمل، في هذا التصعيد الإقليمي – الدولي فوق سوريا وعليها .... وهو صاحب المصلحة الأولى في إقرار منطقة خفض التصعيد وإنجاح التجربة ... لكن يبدو أن التفاهمات التي قادت لتهدئة المنطقة لأشهر عديدة خلت، قد اهتزت تماماً، وبات الاهتمام ينصب على غرفة “الموك” بدل غرفة التنسيق الثلاثية الأمريكية – الروسية – الأردنية، التي أنشئت في سياق مسار أستانا ومنطقة خفض التصعيد الجنوبية.
وإذا ما تحولت “المناوشات” الحالية على حدوده الشمالية إلى مواجهات مفتوحة، فإن الأردن معرض لاستقبال شظايا المعارك، ومعها موجات جديدة من اللاجئين، كما أن تهديد الإرهاب، الذي تراجع مؤخراً بعد القضاء على البنى المؤسسية لداعش واسترجاع جغرافيا الدولة الإسلامية، سيتفاقم من جديد.
مصلحة الأردن في جنوب سوريا تكمن في حفظ التهدئة وخفض التصعيد في جنوب سوريا، وخلق مناخات تمهد لعودة أقسام من اللاجئين السوريين من أبناء تلك المناطق إلى ديارهم الأصلية، وسد كل الشقوق والثغرات التي يسعى مجرمون وإرهابيون وتجار مخدرات للتسلل عبرها إلى الداخل الأردني، توطئة لفتح الحدود وعلى امل استئناف حركة تنقل الأفراد والسلع مع سوريا وعبرها إلى لبنان ... لكن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، كما تشير إلى ذلك، بعض السحب السوداء المتجمعة في سماء درعا وجوارها..