صناعة الفتنة
الأردن بلد آمن مستقر، والشعب الأردني شعب عربي أصيل، متسامح ومضياف، وفي الوقت نفسه شعب متدين معتدل وعصري ملتزم، استطاع على مدار عقود متوالية أن يصنع نسيجاً اجتماعياً متميزاً من عدة مكونات عرقية وقومية ودينية وعشائرية على نحو جميل؛ يحمل معاني القوة والغرابة المدهشة معاً، وعند المقارنة مع المجتمعات المجاورة يشكل إحدى الظواهر الاجتماعية الفريدة التي تستحق الفخر والإعجاب من جهة، كما تستحق العناية والرفق وحسن التعامل من كل الأطراف بلا استثناء من جهة أخرى.
في بدايات القرن المنصرم تشكلت دولة جديدة وحديثة في جنوب بلاد الشام وسط تغيرات إقليمية هائلة وأعاصير سياسية عاتية، لكنها استطاعت تشكيل شعب أردني عريق يحمل الهوية العروبية الإسلامية على نحو أصيل ومعجز، فهناك عشائر بدوية أصيلة لها امتداداتها الحقيقية عبر الجنوب والشمال والشرق والغرب، وهناك الفلاحون والمزارعون المنغرسون في قراهم وأريافهم منذ آلاف السنين، وهناك من هم من أصول شامية شكلوا نواة التجارة الأولى في عمان والمدن الكبيرة، وهناك من هم من أصول شركسية وشيشانية مهاجرة من أقاصي شمال آسيا وجدوا مستقرهم الآمن في الأردن ، وهناك من هم من أصول كردية وبشناق ، وهناك مسلمون ومسيحيون كلهم انصهروا عبر بوتقة الوطن الواحدة ليعملوا معاً على إيجاد نهضة أردنية حديثة سامقة وشامخة يشار إليها بالبنان، وتصلح أن تكون نموذجاً عربياً ناجحاً يصلح للبحث والدراسة كاحدى التجارب المعاصرة التي شقت طريقها بنجاح متميز، يصلح للاستمرار والتقدم إلى الأمام لتكون أكثر تجذراً ورسوخاً.
هذه التجربة الناجحة أصبحت محل حسد الحاسدين وشنآن الحاقدين والجهلة المتعصبين، وأصبحت في العصر الحاضر تتعرض لبعض محاولات الزعزعة والاختراق والعبث .
أكثر الظواهر خطورة في الآونة الأخيرة هي تلك التي تحاول العبث في المسألة الدينية، ويلاحظ تشكيل الشلل المتخصصة التي لا تدرك خطورة العبث في هذه المسألة، ويلقون الكلام على عواهنه، ويعمدون إلى المبالغة ونسخ الأكاذيب من أجل تهييج العوام وتوليد الإشاعات من أجل اغتيال بعض الشخصيات والإساءة إلى بعض المؤسسات المعتبرة.
على جميع العقلاء في هذا البلد أن يعمدوا إلى صيانة الوحدة الوطنية والعمل على صيانة النسيج الاجتماعي الأردني بما يحفظ التعددية الدينية والسياسية والاجتماعية في مجتمعنا الأردني الكبير من أجل أن يبقى عصيّاً على الفتنة، وعصيّاً على الفوضى وعصيّاً على كل محاولات العبث اليائسة التي ستتحطم على صخرة الوحدة الأردنية الصلبة من خلال التدقيق والتحري والتقصي في كل ما يقال وينشر بطريقة مسؤولة ومتروية وحازمة وضرورة الأخذ على يد الفئة العابثة وغير المسؤولة.
الدستور 2018-03-16