لماذا لا تتحرّك؟!
مبادرة جميلة أطلقها الصديق سفيان المحيسن (المتخصص في تنمية الموارد البشرية) على صفحة الفيس بوك بعنوان "سواقتك= أخلاقك"، منذ فترة قصيرة، وحازت الصفحة على تفاعل جيد حتى الآن، وعدد المتفاعلين فيها يزداد.
أعجبتني بهذه المبادرة بساطتها، فهي لا تتناول مسألة بحاجة إلى إنفاق أموال طائلة، مثل الجمعيات الخيرية، ولا ترتبط بعمل ميداني صعب، أو جهود إضافية مطلوبة من المشاركين، وإن كانت تلك المبادرات مطلوبة وضرورية اليوم في المجتمع. إنّما ما يميز هذه المبادرة أنّها أقرب إلى "رفع الصوت" بصورة واضحة من قبل شريحة اجتماعية واسعة ترتبك يومياً وتصاب بالإحباط، وربما التوتر، نتيجة المفاهيم والسلوكيات الخاطئة التي نواجهها دوماً خلال عملية قيادة السيارة!
للأسف أصبحت تلك السلوكيات الخاطئة، في أغلب الأحيان، وفي العرف الاجتماعي، وكأنّها هي الأمر الطبيعي، بينما السلوكيات الصحيحة والالتزام بأنظمة المرور وبقدر من الذوق والهدوء والحرص في قيادة السيارة هو الاستثناء في شوارعنا.
مهما بلغت قوة القوانين وشدة العقوبات والإجراءات فإنّها لا تكفي وحدها، وما زلنا نشاهد ونلاحظ الحجم المرعب لحوادث السير والضحايا الذين نفقدهم بهذا الاستهتار في القيادة وتلك السلوكيات الخاطئة، فالمسألة مرتبطة أيضاً بدور اجتماعي تنويري وبموقف أخلاقي مجتمعي واضح، وهو ما تحاول هذه المبادرة التطوعية القيام به.
المبادرة ما تزال "عجينة طريّة" يمكن للمشاركين أن يضيفوا إليها وتكتفي الصفحة حالياً بوضع صور تمثّل نماذج على السلوكيات الخاطئة، وبعض الآراء والأفكار التي تشرح الظاهرة وتدفع إلى معالجتها، ويمكن لاحقاً تطويرها وتعزيزها عبر مشاركات عديدة وفيديوهات وأفكار جديدة من أجل بناء ثقافة اجتماعية حضارية تتطوّر وتنتشر وتحسّن من مزاج الناس في الشوارع، بدلاً من "الحروب المشتعلة" يومياً على شوارعنا لأتفه الأسباب.
العبرة في هذه المبادرة أنّ التغيير الاجتماعي والثقافي ممكن، ولا يجوز أن نرفع أيدينا أو نضرب كفّاً بكفّ، ونكتفي بالحديث عن التحولات الاجتماعية الخطرة وانهيار الأخلاق، وكأنّنا نعيش في كوكب آخر أو ضيوف على هذه البلاد، أو أنّ المسألة برمّتها في عهدة الحكومة والمؤسسات الرسمية، بل لا بد من العمل والمحاولة من قبل الشرائح التي تؤمن بتطوير المجتمع ورفض التصالح مع المفاهيم والسلوكيات الخاطئة وبضرورة أن نساهم جميعاً في وقف النزيف الأخلاقي والحضاري.
الحكومة ومؤسسات الدولة هي جميعاً – في نهاية اليوم- جزء من الحالة الاجتماعية والثقافية والسياسية، فلا يمكن أن نتصوّر قوانين السويد والدنمارك ناجحة في بلادنا، ولا قوانين وأنظمة الصومال أو موزامبيق، وعمل المؤسسات يتم وسط المجتمع، تتأثر به وتؤثر كذلك، فالمسألة مركّبة ومتراكمة، وعلينا جميعاً أن نتحرك وأن نفعل شيئاً، فربّ فكرة صغيرة وخطوة بسيطة تكون نقطة تحوّل كبيرة في مواجهة مشكلات خطيرة.
المبادرة مهمة، ومطلوب من الجميع دعمها. لكن ما هو أهم وشدّني كثيراً وأعجبني فيما قام به الصديق المحيسن (الذي عاد إلى الأردن بعد فترة طويلة من الغربة)، وهو بيت القصيد، أنّه لم يستسلم ويتحسّر ويشكو، بل اندمج فوراً في مشروعات التغيير والتفكير في الهموم الوطنية والاجتماعية.
هذه هي الروح الإيجابية التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت آخر، أن نتخلص من المزاج السلبي، ونتحرّك، ولو بأفكار بسيطة، وهذه هي القيمة العظيمة للمبادرات الاجتماعية التطوعية، لأنّ كثيراً من مؤسسات المجتمع المدني، التي يفترض بها أن تقوم بهذا الدور، تحولت إلى دكاكين وسمسرة على القضايا التي تتبنّاها.
الغد 2018-03-16