عن تيلرسون ودلالات الإقالة ورئيس «تويتر»!!
ليس لدى وزير الخارجية الأمريكية المقال تيلرسون حساب في «تويتر»، ورئيسه المدمن على الموقع يعرف ذلك، وكان بوسعه تبعا لذلك أن يستدعيه ليخبره بخبر إقالته بكل احترام، لكن الرئيس لم يفعل ذلك، وأعلن إقالة وزيره عبر «تويتر»، ليعلم الأخير بالخبر من خلال مساعديه الذين طبعوا له التغريدة وقدموها إليه!!
المفارقة الأخرى التي تعطي فكرة عن طبيعة الرجل هي إقالته لمسؤول آخر انتقد إقالة تيلرسون، وهو وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية والشؤون العامة، ستيف غولدشتاين، لكن ذلك لم يتم عبر «تويتر»، بل تم خلال البيت الأبيض الذي استدعاه وأخبره بذلك.
لم يكن خبر إقالة تيلرسون مفاجئا، وإن تفاجأ كثيرون بالطريقة، تبعا لأهمية الرجل وموقعه، فالخلافات بين الرجلين واضحة للعيان، والاحتقان كامن من يوم أن وصف الوزير رئيسه بـ»الأحمق» قبل أشهر، ولم ينف ذلك.
لإقالة تيلرسون أكثر من وجه، لعل أولها ما يتعلق بروحية الانتقام، من رجل تطاول على رئيسه بالكلام، واستخف به في المواقف السياسية، من خلال اجتراح مسارات لا ترضيه؛ خصوصا في الملف الإيراني أو الكوري الشمالي.
الوجه الآخر المهم في الإقالة يتعلق بشعور ترامب بأنه تجاوز مخاطر الإقالة لأي سبب كان، وأنه صار بوسعه أن يتصرف كرئيس كامل الصلاحيات، وصولا إلى تحدي الدولة العميقة ذاتها، وستكون هذه المعادلة أكثر تأكيدا إذا ما أقال وزير الدفاع (ماتيس) الذي كان أقرب من حيث المواقف لتيلرسون، وعبّر كلاهما عن الدولة العميقة في مجمل المواقف التي تبنيانها، فضلا عن آخرين، أهمهم رئيس مجلس الأمن القومي (مكماستر) الذي يبدو قريبا من الإقالة بحسب «واشنطن بوست»، ومعه آخرون.
تتأكد ثقة ترامب بنفسه، عبر الإعلان عن أنه سيخوض الانتخابات لولاية ثانية، وبتحديده لشعار الحملة (لنحافظ على عظمة أمريكا)، وهو شعار ذكي بكل تأكيد (ليس مؤكدا أنه من اختراعه!!)، لأنه يحاكي هواجس التراجع الذي تعيشه أمريكا.
تتأكد هذه المعادلة من زاوية أخرى، تحديدا من طبيعة الشخص الذي تم تعيينه بدل تيلرسون، أعني مارك بومبيو، والذي يعرف عنه مواقف متشددة حيال إيران، وربما كوريا الشمالية والصين، فضلا عن انحيازه للكيان الصهيوني (حمي شليف قال في هآرتس: «إن أحدا في تل أبيب لن يذرف دمعة على رحيل تيلرسون، الشخصية المنفرة لدى الإسرائيليين، مع قدوم الصديق الحميم لإسرائيل مايك بومبيو).. وهذه كلها تبدو أقرب لمزاج ترامب، ثم والأهم من ذلك، حجم الإعجاب الذي يبديه الرجل (بومبيو) بترامب، وهذا يداعب جنون العظمة لدى الأخير، بدل الاستخفاف الذي كان يشعر به من قبل تيلرسون، مع أن التعايش بينهما لوقت طويل سيظل غير مؤكد أيضا.
في أي حال، بوسعنا، وبعيدا عن التفاصيل أن نقول، إن ارتباك أمريكا وقيادتها يمثل الحقيقة الأهم في كل ما جرى ويجري، من إقالات سابقة وقادمة، وفي كل ما يتعلق بالسياسات الخارجية التي لا يختلف أحد على أن هاجسها هو شعار الحملة القادمة لترامب، أي المحافظة على عظمة أمريكا في مواجهة تحدي الكبار. وفي حين يذهب بوتين بعيدا في غرور القوة، ويتورط في سباق تسلح جديد مع أمريكا سيرهقه على الأرجح، فإن الصين ستكون الرابح الأكبر، وإن كان ستعاني من سياسات ترامب الاقتصادية أيضا، لكن ذلك كله لن يوقف التدهور في مكانة أمريكا، لأن القادة العظام هو من يستطيعون ذلك حين تكون الرياح معاندة.
الدستور 2018-03-17