البقرة والقرد والضفدعتان
يبدو أن إسرائيل الصغرى (في فلسطين) ومعها إسرائيل الكبرى (في أمريكا) نجحتا بالجمع بين البقرة والقرد والضفدعة في ملعب واحد وهو ملعب المفاوضات بين السلطة وإسرائيل.
وفي تفسير ذلك أننا خُدعنا (بضم الخاء) باتفاقية اوسلو في حينه، عندما صدقنا بالدعاية والإعلام والكذب، أنها شكلت انفراجاً على طريق التسوية العادلة للقضية لنفاجأ فيما بعد بالعكس تماماً عندما اكتشفنا ان أبطالها وافقوا على تقسيم الأرض إلى (أ:A) ومقدارها ثلاثة في المائة خاضعة للسلطة إدارياً وامنياً و(ب:B) ومقدارها 25 % خاضعة للسلطة إدارياً ولإسرائيل أمنياً و(ج:C) ومقدارها 72 % خاضعة لإسرائيل إدارياً وأمنياً، وعلى تأجيل البحث في القضايا الكبرى مثل موضوع القدس، واللاجئين، والحدود.. إلى ما يسمى بالوضع النهائي الذي لم يأت. لقد مر نحو ربع قرن على المفاوضات دون تحقيق اختراق واحد. وقد وصف المراقبون والمشاركون العملية بالمفاوضات للمفاوضات لدرجة أن كبير المفاوضين الفلسطيني ألف كتاباً من وحيها بعنوان: "الحياة مفاوضات".
أما بالنسبة لإسرائيل فقد تعاملوا مع المفاوضات تعاملهم مع البقرة: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (البقرة، 67-69). ظلت إسرائيل بالمفاوضات تلوك الهواء فاشترت به الوقت اللازم لمزيد من الاغتصاب والاستطيان أي انها تصرفت كالقرد الذي أكل الجبنة (الأرض) كلها وترك صاحبها لا يلوي على شيء.
وباستمرار المفاوضات سنة وراء أخرى ألفها العرب وتعودوا عليها، وتكيفوا معها وكأن الأرض لم تسحب من تحت أقدامهم. لقد تحول العرب إلى ما يشبه الضفدعة التي ألقيت في الماء وحرارته ترتفع درجة درجة فبقيت حية بتكيفها التدريجي مع ارتفاع الحرارة بالتدريج إلى أن وصلت درجة الغليان حين ماتت. لكن الضفدعة الأخرى المقاوِمة التي ألقيت في سطل من الحليب ظلت تضرب الحليب بيديها ورجليها لتجد نفسها في الصباح على رأس عامود من الزبدة، وهي فلسطين 1948.
يبدو أننا لم نكتشف حتى الآن أن المقاومة السلمية/ الشعبية كالتي مارستها الضفدعة الثانية ينبوع لا ينضب، وإنها كفيلة بتعرية إسرائيل وإفشال روايتها وفضح غطرستها وتعطيل قوتها.
لقد كان لصفعة الفتاة عهد التميمي للضابط الإسرائيلي وركله تأثيرا يفوق تأثير كل ما مارسته فتح وحماس والجهاد الإسلامي. ودلالة ذلك أن وضع الشعب الفلسطيني قبله كان أفضل بكثير من وضعه بعده. كنت اعتقد وما أزال أن المقاومة بالعنف غير قابلة للاستمرار في حالة فلسطين: محلياً وعربياً وعالمياً وأنها تسحب من رصيد القضية عند الرأي العام العالمي. وبهذه المناسبة الفارقة بين صفعة عهد للضابط الإسرائيلي والتفجيرات في اليهود (وغير اليهود) المصادفين أذكر القراء بالقانونين اللذين استخلصتهما من تاريخ المقاومة: لا تستخدم منهجا في المقاومة ضد عدوك لا تستطيع الاستمرار فيه حتى النهاية أي التحرير أو الانتصار الحاسم عليه". لو كانت المقاومة بالعنف التي مارستها فتح وحماس والجهاد ناجحة لاستمرت بها إلى الآن وبعد الآن. ولكننا لا نراها تستمر أو تحقق شيئاً سوى مزيد من الاغتصاب والاستيطان والأسوار والحواجز ونقاط التعذيب والتفتيش بعد كل تفجير.
القانون الثاني: لا تستخدم منهجاً في المقاومة ضد عدوك إذا كان هو أمهر منك وأقوى باستخدامه ضدك. بمعنى أن إسرائيل أقدر على الرد بالمثل بتفجيرات مضادة لتفجيراتك. ولكن لما كان الفلسطينيون والعرب والمسلمون مهزومين ومأزومين وإخراج التفجير مثيراً إعلامياً فقد رحبوا بالعنف وتفاخروا به. وبعد ما شفا غليلهم ناموا وغفوا بانتظار تفجير آخر يوقظهم.
ترى هل اكتشفوا الفرق الآن وهل تعلموا ؟ لقد تماهى العالم كله مع الفتاة الفلسطينية في تصديها للعدو بالصفع والركل، بينما ظل يشجب تفجيرات فتح وحماس والجهاد وبخاصة بعد انعكاس إرهاب طالبان والقاعدة وداعش عليها.
الغد 2018-03-16