وقف اتفاقية التجارة التركية: قرار اقتصادي أم سياسي؟
أثار القرار الحكومي بوقف أو تجميد اتفاقية التجارة الحرة الأردنية التركية نقاشات على مستويين الاول دار حول مدى صواب هذا القرار وهل خدم المصالح الأردنية بالفعل، والمستوى الثاني هل القرار بالفعل جاء على خلفية اقتصادية ووفق ما تتحدث عنه الحكومة من مبررات أم ثمة خلفية سياسية وضغوط خارجية دفعت الحكومة الى اتخاذ هذا القرار؟.
وقعت اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين في عام 2009 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2011 واستثنيت منها السلع الزراعية، وفي الحقيقة بدأت المراجعات وأسهم النقد للاتفاقية منذ اكثر من ثلاث سنوات ووصفت بأنها اتفاقية غير عادلة ولا تخدم المصالح الأردنية، ومع هذا استمرت الحكومات الاردنية بالعمل في الاتفاقية، وفي نفس الوقت أجرت اكثر من جهة دراسات تقييمية لهذه الاتفاقية منها دراسة أجرتها غرفة صناعة عمان ونشرتها في شهر آذار من عام 2017 اي قبل عام ودعت فيها الى ضرورة مراجعة او وقف الاتفاقية، واشارت الى حجم الفجوة الهائل في حجم التبادل التجاري بين البلدين؛ اي ان الصادرات الاردنية لا تشكل سوى السبع مقارنة بما تصدره تركيا للاردن الذي تجاوز 485 مليون دولار في عام 2017 حيث نمت الصادرات التركية للأردن بنسبة 27 % مقابل ان الصادرات الاردنية الى تركيا لم تنمُ الا بنسبة 3%. في الوقت الذي لم تصل الاستثمارات التركية في الاردن الى المستوى المطلوب ، ولم تسمع الحكومة آنذاك لهذا التقييم، فيما قبل عشرة ايام بالتمام والكمال سمعنا عن دراسة لوزارة التجارة والصناعة وصلت الى مجلس الوزراء واتخذ القرار.
القطاعات والاصوات المعارضة للقرار الحكومي تتمثل في القطاعات التجارية مثل غرفة التجارة التي سارعت الى رفض القرار ونقابة تجار المواد الغذائية وهي قطاعات ترتبط مصالحها باستمرار الاتفاقية وترى ان وقف الاتفاقية سوف يلحق اضرارا واسعة على القطاع التجاري والخدمي، اضافة الى بعض النخب السياسية التي تنظر الى تركيا باعتبارها نقطة توازن في العلاقات والمصالح الاردنية وهؤلاء منهم من يقدم تقييمه على أساس رؤية الخيارات المحدودة اقليميا امام الأردن، ويذكروننا بالموقف التركي المساند للأردن في ملف القدس في الاشهر الماضية والتقارب وتبادل الزيارات، فئة أخرى تدافع عن الاتفاقية من منظور سياسي وايديولوجي صرف.
على كل الاحوال، من الواضح بالاعتبارات الاقتصادية الصرفة ان تفاقية التجارة الحرة مع الاتراك بالصيغة السابقة لم تكن تخدم المصالح الأردنية وكان من المفترض ان يطلب الأردن إعادة التفاوض على شروطها منذ ثلاثة اعوام، ولكن توقيت وقف الاتفاقية والظروف التي احاطت بإصدار هذا القرارا تثير الاسئلة بالفعل حول الخلفية السياسية لهذا القرار؛ اذا ما ربطنا هذا الامر بالتطورات الاقليمية الاخرى المتمثلة بالتنافس السياسي والاقتصادي السعودي والخليجي والمصري من جهة مع الاتراك والقطريين من جهة اخرى والتطورات الاخيرة التي جاءت في هذا السياق وفي مقدمتها الوعود الاستثمارية السعودية الهائلة على شواطئ البحر الاحمر في الجانب المصري والتنافس التركي السعودي على السودان.
عمليا لا يوجد ما يمنع الأردن أو أي بلد في العالم من البحث عن مصالحه الاقتصادية وتوظيف السياسة واستخدامها في تحقيق المصالح. أليست هذه وظيفة السياسة الاولى والاخيرة، كما هو الحال في توظيف التوقيت ايضا الذي قد يكون هو الآخر قيمة مضافة في حسابات المصالح ، ولكن السؤال هل ما فعله الأردن يعكس هذا التصور؛ أي اتخاذ القرار الذي يعكس مصالحه الفعلية ويوظف السياسة والظروف الدولية واختيار الوقت المناسب. في الحقيقة إلى هذا الوقت لا ندري!
الغد 2018-03-17