"التلاعب" مع بلدية الاحتلال في القدس
ظهر في الأيام القليلة الماضية، جدل بين سياسيين إسرائيليين سابقين، حول فكرة أن يشارك الفلسطينيون في انتخابات بلدية الاحتلال في القدس، حتى راح صاحب "الفكرة" يدفع بتشكيل قائمة "عربية يهودية"، يرأسها عضو الكنيست د. أحمد طيبي، ما قد يجعله "رئيسا للبلدية"، وفق خياله. وكان من المفترض أن لا يكون هذا الجدل ذا شأن؛ إلا أن هذه "الفكرة" لاقت في السنوات الأخيرة من يتلاعب بها في الساحة الفلسطينية، تحت ذريعة هي نسج من الخيال، بأنه بهذا الشكل، من الممكن السيطرة على بلدية الاحتلال. وهذا ليس وهمٌا فقط، بل انزلاق سياسي خطير، لا يمكن المرور عليه مر الكرام.
وقد طرح "الفكرة"، من كان سابقا رئيسا للكنيست، ثم رئيسا للوكالة الصهيونية، أبراهم بورغ، الذي لاحقا نقض جوانب عديدة في الصهيونية، وأقول هذا بحذر شديد. ثم تقرّب أكثر إلى الأفكار السياسية ذات الصبغة اليسارية. وكي نعرض الصورة بشكل شبه كامل، فقد كان بورغ في نهاية سنوات الثمانين، ومطلع سنوات التسعين، من المجموعة التي قادت التحول السياسي في حزب "العمل"، الذي انعكس لاحقا بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي السنوات الأخيرة، وضع بورغ لنفسه مع آخرين، مشروع شراكة سياسية يهودية عربية، بمعنى ربط بين قوى صهيونية وقوى ناشطة بين فلسطينيي 48. وعلى هذا الأساس، انضم فجأة في نهاية العام 2014، الى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التي في مركزها الحزب الشيوعي؛ ولكن في ذات الوقت، تبيّن أن من أهدافه منع "الجبهة" من المشاركة في "القائمة المشتركة"، التي تشكلت في الانتخابات الأخيرة، وهي تتمثل حاليا بقوة في الكنيست، وهي تضم أحزابا ناشطة برلمانيا بين فلسطينيي 48.
وحينما فشل هدفه، خرج بورغ من "الجبهة" بذات السرعة التي انضم اليها، وعاد ليبحث عمن يشاركه مشروعه. ولكنه لا يجد من يقبل بفكرته بين الأحزاب القائمة، كون الشراكة السياسية بين قوى فلسطينية وطنية، مع قوى صهيونية، هو أمر غير منطقي، مهما بلغت إيجابية ذلك الاطار السياسي الصهيوني، مثل حزب "ميرتس".
وطرح بورغ فكرة إقامة قوائم بلدية مشتركة يهودية عربية، في حيفا مثلا، ولكنه كان يقصد أساسا مدينة القدس المحتلة. وتلاعب بفكرة رئاسة النائب في "القائمة المشتركة"، ورئيس الحركة العربية للتغيير، د. أحمد طيبي، لبلدية القدس. وفي قراءة أدق لمقال بورغ، الذي نُشرت ترجمته في عدد "الغد" يوم 12 الشهر الجاري، فإنه لا يتطرق اطلاقا لضرورة انسحاب الاحتلال من المدينة، وإنما الاعتراف عمليا بواقع الاحتلال. وبعد أيام قليلة، رد عليه السياسي السابق، والكاتب اوري أفنيري (93 عاما)، مستحسنا الفكرة، ضمنا؛ ولكنه قال إنها لن تلقى تجاوبا في الجانب الفلسطيني. وقد نُشرت ترجمة مقال أفنيري، في عدد "الغد" يوم 15 الشهر الجاري.
في السنوات الأخيرة، ظهرت أوساط فلسطينية في مدينة القدس، تدعو للتفكير بالمشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال. ويقال إن أحدهم بادر لتشكيل قائمة محلية. كما قيل إن أصواتا قليلة في الساحة الفلسطينية "استحسنت" الفكرة، من باب الوهْم بأن هذا قد يؤدي الى خربطة أوراق الاحتلال في المدينة. ولكنّ هذا في واقع الحال، سقوط سياسي خطير جدا، لا يمكن حتى مجرد التلاعب به.
فأي محاولة للمشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال، تعني مباشرة الاعتراف "بشرعية" الاحتلال في القدس، وهذا أشد خطورة بأضعاف من خطورة اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال. ولهذا فإنه يجب صدور موقف واضح وقاطع برفض الفكرة، ويرفض مجرد التفكير بمشاركة كهذه.
فصحيح أن هذا السيناريو خلق تخوفات عند حكومة الاحتلال وعصابات المستوطنين، ولهذا جاء مشروع القانون لعزل أحياء فلسطينية ضخمة عن المدينة، لمنع سيناريو كهذا؛ إلا أن هذا "التخوف" يجب أن لا يخلق "طمأنينة" أو "بهجة" عند فلسطينيين، لتكون ذريعة للولوج في مسار قاتل سياسيا كهذا.
المطمئن، هو أنه حسب التقارير الإسرائيلية، فإنه في الانتخابات البلدية، التي جرت في خريف 2013، شارك 1 % فقط من الفلسطينيين في القدس في عملية التصويت. ونأمل، أن تكون نسبة 1 % في الانتخابات المقبلة في خريف هذا العام، كبيرة جدا، وأن لا يتم الوصول إليها.
الغد 2018-03-17