الاستدارة الأميركية الجديدة
في البلدان الديمقراطية لا أحد يدخل دوائر الحكم بلا اهتمام او تجربة واحترام لما يقوله الناس الذين هم شركاء في الحكم ومصدر للسلطة. وفي البلدان الديمقراطية لا احد يستمر في موقعه اذا لم يحقق نجاحات او يحظى برضا شعبي. في مواعيد دستورية محددة يعلن الراغبون في ملء المواقع الشاغرة رغبتهم فيعدون برامجهم وحملاتهم الانتخابية ليعرضوا افكارهم ومواقفهم على الجماهير ويبينوا لهم ما يملكون من قدرات ومهارات فكرية وسياسية ودبلوماسية تساعد على تنفيذ سياساتهم مستشهدين بخبراتهم السابقة.
في الغرب والشرق لا أحد يتبرأ من الشعبوية او يعتبرها تهمة او ينظر لها على انها ظاهرة تتنافى مع الانجاز، فالاصل ان يحظى الفعل السياسي برضا وتقدير الجمهور. المستعمرون او المحتلون فقط هم من يرون ان هناك تناقضا بين أجندات الحكم ورضا الجماهير باعتبار ان الحكم يعني فرض ارادة المحتل او المستعمر على من هم تحت الاحتلال او المستعمرين.
التعريف الاميركي للديمقراطية باعتبارها "حكم الشعب للشعب وبواسطة الشعب" يلخص العملية برمتها ويفسر لنا قوة الرؤساء وحسن استخدامهم للتفويض الشعبي وسباقهم المحموم لوضع بصماتهم على جدار تاريخ الامة. فالكل يريد ان يحقق نجاحات لم يحققها غيره في السياسة والاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والرفاه وغيرها من الميادين التي يتطلع المواطنون الى ما سيتحقق فيها.
الرئيس الاميركي الحالي مثال ساطع على الرغبة في النجاح والسعي للذهاب ببلاده الى اقصى ما تسمح به الامكانات البشرية من تقدم وقوة وازدهار. لا شيء يعلو على المصلحة الوطنية ولا ضرورة للالتزام بالمناهج والاساليب التقليدية في ادارة ملفات السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، فكل شيء خاضع للتغيير اذا كان في صالح الشعب والامة الاميركية.
في العام الاول من ولايته وجه الرئيس ترامب اهتمامه نحو الشرق الاوسط، فزار المملكة العربية السعودية والتقى بزعماء العالم الاسلامي والقى خطابا تحدث فيه عن الارهاب وضرورة عمل الجميع على محاربته بكل الوسائل. وقبل مغادرته أبرم اتفاقيات اقتصادية بمئات المليارات.
في تلك الجولة التي شملت السعودية واسرائيل والفاتيكان بصحبة عائلته اراد الرئيس القول إنه يفهم العالم وتعقيداته وقادر على مواجهة كافة التحديات وحل كل المشكلات وتوظيف كل الفرص والتحديات للصالح الاميركي العام. خلال الايام والشهور التي اعقبت الزيارة التاريخية الى الشرق الاوسط ظل الرئيس الاميركي ومؤيدوه يتباهون بقدرته الهائلة على التأثير ومهارته السياسية في مواجهة التحديات ووضع السياسة في خدمة الاقتصاد.
الرئيس المولع بفكرة الاهداف الكبيرة يوجه بلاده وسياستها الخارجية نحو احتواء كوريا الشمالية في محاولة لوقف برنامجها النووي. هذا الهدف الذي طالما استعصى على كل من سبقه من الرؤساء منذ أن بدأت اميركا الاهتمام بالشأن العالمي.
الرئيس الاميركي الذي بدأ عهده باستئناف سياسات المقاطعة والهجوم الهادف الى شيطنة القوة الاسيوية التي انشغلت في برامج تطوير الصواريخ والاسلحة النووية التي اصبحت تخيف اميركا وحلفاءها يتخذ قرارا تاريخيا مفاجئا وجريئا بالانفتاح على كوريا ليثبت للعالم ولنفسه ولناخبيه بانه سياسي موهوب وشجاع وعملي.
اميركا اليوم تتوقف مرحليا عن إكمال الصفقة والاعلان عن تفاصيلها. يأتي ذلك بعد ان ارضت اسرائيل بقرار الاعتراف بالقدس كعاصمة وتحديد موعد نقل السفارة الاميركية لها. المحطة الجديدة للاهتمام الاميركي ستكون في قلب الشرق الاقصى الى جوار الصين وكوريا الجنوبية.. فالهدف كبير والعوائد السياسية اكبر. واذا نجح ترامب في ابرام الصفقة المأمولة مع كوريا فسيدخل التاريخ بأنه من جنب البشرية صراعا محتملا وكارثة مؤجلة.. وأنه أحد أهم صناع التاريخ وأكثرهم شجاعة.
الغد 2018-03-18