الإسلام والديانات الأخرى
هناك محاولات حثيثة ودؤوبة من أجل إثارة الفتنة والتفرقة الدينية داخل المجتمعات العربية، وهي إحدى وصفات إضعاف الدول العربية وزيادة شرذمتها، وإشعال الحروب الأهلية بين مواطنيها من أجل إبقائها في مربعات التخلف وعدم قدرتها على الإمساك بأوراق القوة التي تصنع استقلالها وقوتها الذاتية، وتجعلها قادرة على حماية حدودها ومقدراتها.
اللعب على حبل الفتنة يزداد يوماً بعد يوم وبطريقة تحمل قدراً كبيراً من السطحية المصحوبة بالعداء الغريزي أو الفكري أو السياسي، ويأخذ كل الأشكال الممكنة والمتوافرة، فمرة يكون عرقياً قومياً، وأحياناً يتم تأجيج التعصب الديني بكل السبل المتاحة .
في هذه المساحة أود أن أوضح موقف الإسلام من الديانات السابقة بحسب رؤية الإسلام العقدية الثابتة، التي ثبتت على نحو قاطع وواضح لا يحتمل لبساً ولا ضبابية.
أولاً: الإسلام يعترف بوجود الأديان السماوية السابقة ويؤمن بالأنبياء السابقين إيماناً عقدياً راسخاً وليس من باب التسامح أو المجاملة أو نتيجة من نتائج حوار الأديان، فلا يكتمل إيمان المسلم إلّا إذا آمن بنبوة عيسى ورسالته، ونبوة موسى ورسالته وباقي الأنبياء ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ونوح ويونس ولوط وذو الكفل وسائر الأنبياء عليهم السلام.
هذا القول ليس اجتهاد مجتهد سواء كان معتدلاً أو غير معتدل، لأن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
ثانياً: الإيمان بالكتب السابقة ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان المسلم دون الاعتقاد بذلك، وهي الانجيل والتوراة والزبور وصحف ابراهيم، كما هو ركن الإيمان بالرسل، ومن أنكر أحد الكتب السابقة فقد ناقض دينه وإيمانه قطعاً دون خلاف.
ثالثاً: طلب الله عز وجل من المؤمنين عدم التعرض لأصحاب الديانات الأخرى بالشتم والتحقير والاستهزاء، حتى لو كانت وثنية وغير سماوية، قال تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
رابعاً : ذكر الله في القرآن عيسى وأمه بذكر حسن وسرد قصتهما على نحو يحفظ لهما المكانة الرفيعة عند الله وعند المؤمنين، وأبعد عنهما التهمة المشينة التي أطلقها اليهود بكل وضوح وصراحة، فقال تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) وآيات أخرى عديدة بالمعنى نفسه.
بناءً على ما سبق لا يستطيع أي مسلم أو مؤمن أن يزدري المسيحية ولا يستطيع أن يتعرض بالإهانة إلى النبي عيسى عليه السلام وكل الأنبياء السابقين، لأن ذلك يعد ازدراء بالإسلام وإهانة للعقيدة الإسلامية ذاتها، مهما كانت درجته من العلم، ولذلك يجب أن يعلم الناس أن النيل من الأنبياء وفق العقيدة الإسلامية يعد خروجاً من الإيمان وتمرداً على الإسلام، فلا تصح كل الاتهامات الموجهة للمسلمين وعلمائهم وفقهائهم على هذا النحو، فهو أمر مستحيل ديانة، لأن كل من يفعل ذلك قد حكم على نفسه بالردّة عن الإسلام ، فهذا أمر لا يقبله عقل فيما يخص المسلمين على وجه التحديد، وكل من يحاول زرع الفتنة عن هذا الطريق فهو محكوم عليه بالفشل المحتم، وهو لا يفهم عقيدة المسلمين ولا أركان الإيمان لديهم، وليس هذا الأمر محلاً للخلاف بين كل مذاهب المسلمين مهما كان خطها .
الدستور 2018-03-18