شهر رجب بين السنة و البدعة
يرجح بعض الفقهاء بأن الأشهر الحرم سميت بهذه التسميةً؛ لأن الله حرم فيها القتال بين الناس؛ فلهذا قيل لها حرم؛ جمع حرام، والأشهر الحرم أربعة، هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم؛ فشهر مفرد، وهو رجب، والبقية متتالية، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم.
واختلف العلماء: هل حرمة القتال فيها باقية، أو نسخت؟ على قولين: الجمهور: على أنها نسخت، وأن تحريم القتال فيها نُسخ، وقول آخر: أنها باقية ولم تُنسخ، وأن التحريم فيها باقٍ ولا يزال، وهذا القول أظهر من جهة الدليل.
وقد أدخل بعض الناس العديد من الممارسات البدعية التي ابتعدت كل البعد عن الأوامر والنواهي التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة،
وذكر بعض العلماء أن لشهر رجب سبعة عشر اسما نذكر منها: شهر الله، ورجب ومطهر، ورجب مضر، وفرد، وشهر الله الأصم.
وسميت الأشهر الحرم بهذا الاسم، لتحريم القتال فيها وكان ذلك معروفا في الجاهلية؛ وقيل لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها وسمي رجب رجبا لأنه كان يرجب أي يعظم وقيل لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه، وقيل في سبب تحريم هذه الأشهر الأربعة من اجل تمكين الناس من الحج والعمرة، فحرم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه وحرم ذي القعدة للسير فيه إلى الحج، وحرم شهر المحرم للرجوع فيه من الحج حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى إن يرجع إليه، وحرم شهر رجب للاعتماد فيه في وسط السنة.ولبيان أهمية شهر رجب نذكر بعض الادلة ومنها:
عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان).
قال الله عز وجل: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ) التوبة:36، متفق عليه البخاري/1741 ومسلم/1679.
ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم إبطال ما كانت الجاهلية تفعله من تقديم أو تأخير للأشهر، والذي يسمى النسيء حسب الهوى والمصلحة ولذلك ذمهم الله تعالى بقوله (إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) (التوبة 37).وهذا ما يسمى النسيء في الجاهلية ومن صورهالتغيير في عين الأشهر الحرم خاصة فقد كان الناس
في الجاهلية يبدلون بعض الأشهر الحرم بغيرها من الأشهر فيحرمون بدلها ويحلون ما أرادوا تحليله من الأشهر الحرم، إذا احتاجوا لذلك، دون زيادة في عدد الأشهر.وقد كان
بعضهم يحل المحرم فيستحل القتال فيه لطول مدة التحريم عليهم وهي ثلاثة أشهر ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ويحرم بدلا منه شهر صفر.
و كان بعضهم يحل المحرم مع صفر من عام ويسمونها صفرين ثم يحرمونها من عام قابل ويسمونها محرمين.
وكان بعضهم يحتاج إلى صفر في القتال فيحلوه ويجعلوا مكانه ربيعا.
و التغييرالاخر في عدة الأشهر كان في مواضعها،
فكان بعضهم يجعل السنة ثلاثة عشر شهرا ويجعلون المحرم صفرا أو يسقطون المحرم ويقولون صفرين فيصبح على النحو التالي: بداية السنة صفر ثم ربيع أول وربيع الآخر ثم شعبان ورمضان وشوال.
وكان منهم من يجعل الشهور اثني عشر شهرا وخمسة أيام.وعلى الرغم من ذلك فإن بعض القبائل كانت تحرم الأشهر الحرم حسب الهوى
فقبيلة ربيعة، كانوا يحرمون أربعة أشهر من السنة.
وقبيلة بني عوف كانوا يحرمون ثمانية أشهر في السنة وفي هذا مبالغة على ما حرمه الله.
وبعضهم كان يحل عاما شهر، وعاما شهرين فلا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة واحدة، وهو النسيء الذي ذكره الله تعالى في كتابه، فلما كان عام حج أبو بكر الصديق بالناس وافق في ذلك العام الحج فسماه الله يوم الحج الأكبر(رواه الهيثمي ورجال ثقات).
ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض).
وقد اختلف العلماء في القتال في الأشهر الحرم-فقال الجمهور: يجوز القتال في الأشهر الحرم وأن تحريم القتال منسوخ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة 217.
سبب نزول الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وأمر عليهم عبد الله بن جحش فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك من رجب أو من جمادى فقال المشركون للمسلمين: قاتلتم في الشهر الحرام فنزلت الآية، وقد قال عبد الله بن جحش في ذلك شعرا:
تعدون قتلا في الحرام عظيمة
وأعظم منه لو يرى الرشد راشدا
صدودكم عما يقول محمد
وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله
لئلا يرى في البيت ساجد
وقال بعض العلماء: لا يجوز القتال في الأشهر الحرم واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ( لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) المائدة2.
فهذه الآية من سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت.
قالت عائشة رضي الله عنها (فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه) أخرجه احمد6/188، ولما روي عن جابر قال: (لم يكن رسول الله يغزوا في الشهر الحرام، إلا إن يغزى ويغزو، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ) أخرجه احمد3/433.