تحويل الدين الى (قصة نجاح)
حين ندقق في خارطة الحروب والصراعات التي تعرضت لها أمتنا خلال مئة عام على الاقل على يد أبنائها أو أعدائها نجد أن ( الدين) هو العنوان
والمفتاح الذي يدلنا على كافة التفاصيل، فاحتلال فلسطين ومسجدها الاقصى جرى باسم الدين، وأول ما فعله نابليون في مصر هو (الاستيلاء) على الأزهر كرمز ممثل (للدين)، وحروب الاستعمار والاستقلال دارت كلها على تخوم الدين...ومنذ أن انطلقت فزاعة الارهاب كان الدين حاضرا باعتباره المسؤول الاول والاخير عن هذا الوباء الخطير.
حين ندقق أكثر نكتشف أن (الدين) كان المتهم والضحية، الهدف والوسيلة، الفاعل والمفعول به ايضا، كان الآخرون ينظرون الينا من زاوية (الدين) تحت المسميات النمطية التي اختاروها وهي التطرف والعنف والارهاب، وكانوا يتذرعون بحمايتنا والدفاع عنا وتخليصنا من الذين اختطفوا الدين واساءوا اليه، كانوا يقتلوننا ايضا بحجة أن بعضنا خرج عن سكة (الدين) ويقسّمون بلداننا لأننا انحزنا لمذاهبنا وطوائفنا واختلفنا في تطبيق قيم الدين.
كنا نحن -ومازلنا- ايضا ندافع عن انفسنا باسم الدين، ونقتل بعضنا بعضا استنادا الى فقه (الدين)، ونبتلع ما يواجهنا من نكبات وخيبات وهزائم مع أكبر جرعة من الدين.
الدين هو الدين لم يتغير لكن بدل أن يكون مرشدا وهاديا ومنقذا ومحررا أصبح عندهم وعند بعضنا (مشكلة) ، وبدل أن يكون باعثا للبناء والتحضر
والسعادة تحول عندهم وعندنا الى وسيلة للهدم والقتل والخراب وأورثتنا - للأسف- المزيد من الانحطاط ، وكأننا توافقنا معا على (توظيفه) لغير المرادات التي نزل من أجلها، أو كأننا تحالفنا لإقصائه من حياتنا الى الأبد.
معظم الحروب والصراعات التي تجري في العالم اليوم تسجل (باسم) الدين لكنها لا تحظى بأي اهتمام الا اذا كان أحد أطرافها من (المسلمين) أما الاخرى (ما يحدث في في اكثر من بلد من صراعات بين المسيحيين البروتستانت و الكاثوليك) فلا أحد في الغرب يتدخل فيها، واذا حصل فلا نسمع أي تهمة بأنهم إرهابيون.
الارهاب دمغة اسلامية بامتياز، وقائمة المتهمين به أسماؤهم جاهزة باستمرار، وامكانية صناعتهم متوفرة على الفور، وقرارات استئصالهم لا تحتاج الى مسوغات قانونية أو محاولات ( لفض) الصراع سلميا، أو لاستئذان الشعوب التي انهكتها الحروب وعانت من مواجهة التطرف بمزيد من التطرف.
أقرب إجابة يمكن أن تسمعها من الآخر هي : (الارهاب لا دين له)، لكنه في الحقيقة ينتسب في قواميسهم الى (الاسلام) فقط، ويعاقب بسببه المسلمون فقط، واقرب حكاية تسمعها من الذات المسلمة هي : (الاسلام بريء من الارهاب) لكن تحت هذا العنوان تختلط المفاهيم، وتتسلل (الاجندات) ويدفع الابرياء ثمن هذه (البراءة) وتبييض الصورة دون أن يتغير أي شيء.
حين يكون الدين مشكلة على الطرفين يجب ان نفكر في اتجاهين : اتجاه الآخر الذي يتحرك للقبض على اعناقنا ونحن ملتبسين (بالدين) على اعتبار ان الدين تهمة ومصدر للتطرف و الارهاب وخطر يستدعي المواجهة، واتجاه الذات التي تتحرك للدفاع عن نفسها باسم الدين، وتتطرف احيانا لتصفية حساباتها بأمر الدين، الذات التي فشلت في تحويل الدين الى (قصة نجاح) ولم تسجل لنفسها باسمه في عصرها الحاضر أي انجاز، الذات التي (أحبت) الدين وآمنت به أو التي وظفته وأساءت فهمه.
إذا سألتني عن الحل سأجيبك بلا تردد : ( الدين هو الحل)، ولا أقصد هذا الدين المجروح الذي انزلناه على واقعنا دون أن نفهمه، ولا هذا الدين المغشوش الذي تدينا به فجردنا من إنسانيتنا وكرامتنا وأغرى الآخرين على قتلنا واهانتنا، ولكنني اقصد الدين الصحيح الذي أنزله الله علينا وتجسد عمليا في نموذج النبي الرسول عليه الصلاة والسلام، الدين الذي يتحرك مثل(الروح) في الانسان، لكي يبني ويسعد ويشع كالنور على الانسانية ويمكّن المؤمنين به من التخلق والتحضر والرقيّ، ويجبلهم على العزة والكرامة والنصر، ويجعلهم أسيادا لا عبيدا، واخوة لا أعداء، ومصدر خير للعالمين...كل العالمين.
نعم ( الدين هو الحل) لكن بعد أن نحرره من مفهوماتنا الخاطئة، ومن توظيفاتنا المسمومة، ونعيد اليه ( الروح) التي انتزعناها منه، والاخلاق التي اختطفناها من احكامه، و(السرّ الأكبر) الذي تواطأنا على نسيانه وإنكاره.
الدستور 2018-03-23