الأردنيون.. والقبعات المرفوعة
يستخدم الأردنيون تعبيرات لا اساس لها في ثقافتهم دون اي ادراك لمدلولاتها او وعي بمعانيها وأوجه الاستخدام المناسب لها. الكثير من الشباب وبعض الصحفيين والمعلقين الرياضيين ومن دخلوا الى عالم برامج الحوارات يستخدمون بمناسبة وغير مناسبة تعبيرات على شاكلة "ارفع قبعتي احتراما" او يصفون آخرين بانهم قاموا بعمل ترفع له القبعات.
في كل مرة اسمع فيها هذه الجملة اقف مندهشا واتساءل فيما اذا كان القائل يعي دلالة ومعنى ومناسبة رفع القبعة، واقول لنفسي مستغربا كيف لشخص لم يرتد قبعة في حياته أن يتجرأ على استخدام التعبير! وما المغزى من استخدام مصطلح لا اصل له في ثقافة مستخدمه؟ وهل يوجد في اللغة العربية والثقافة الأم قول مكافئ لهذا التعبير؟ واخيرا كيف تسلل هذا التعبير الى الثقافة العربية واصبح شائعا يستخدمه الكبار والصغار مع ان بعضهم لم يرتدِ في حياته قبعة ولا كوفية.
في بلادنا هناك شغف بالتقليد في كل شيء. فنحن نقلد بعضنا ونقلد غيرنا ونتظاهر بما ليس فينا. في القرى والمدن وحتى البادية يقلد الاقارب والجيران بعضهم في الاكل واللباس والحديث والمقتنيات وحتى التعليم والاختيار المهني. الامهات والآباء يصرون على ان يدرس ابناؤهم الطب والهندسة بدافع منافسة الاقارب والجيران اكثر من قناعتهم باهمية هذه الاختصاصات او الحاجة المجتمعية لها.
إقبال افراد اسرة او عائلة على مهنة او تخصص بعينه لا يعبر بالضرورة عن امتلاك افراد هذه الاسرة لمواهب خاصة في ذلك المجال بمقدار ما يشير الى مستوى الغيرة والتنافس بين الاقارب وارتفاع حمى ووتيرة التقليد بينهم. هناك اسر بعينها تهيمن على صناعة الطعام والحلويات وخدمة المناسبات وتجهيز ودفن الموتى والمواقع الوزارية والوظائف الحكومية والبنوك وتجارة الاغنام وتعهدات الطرق وتشييك المزارع وبيع الخضار والفواكه.
في بلدة أردنية واحدة في الشمال يوجد العشرات من حملة الدكتوراة في الفيزياء والرياضيات بحيث اصبحوا الاكثر حضورا في تدريس هذه التخصصات. وفي الوقت الذي يمكنك ان تحصر اسماء العائلات التي تحتكر تنفيذ مشاريع الانشاءات الكبرى فإن من الصعب الحصول على حلويات شرقية ذات جودة ومذاق من مطاعم لا تديرها عائلات نابلسية او شامية.
المجتمعات تبتدع أعيادا ومناسبات واياما خاصة بها في الاحتفالات يحرص اعضاء الجماعة على اظهار مدى تعلقهم وايمانهم وانتمائهم ويتسابقون لاستعراض مهارات امتلاكهم للهوية الثقافية. كما في كوريا والصين يؤدي الافراد في المجتمعات التي تمتلك هوية واضحة ادوارهم بإتقان وحرفية عاليتين فتجد الجميع يتحرك بايقاع منضبط لا مساحة فيه للارتجال والاجتهاد. في حالات اضطراب الهوية يظهر الكثير من التباين في اداء الاعضاء لادوارهم، الامر الذي يدفع البعض لبذل جهد اضافي للتكيف مع الموقف.
لغايات المجاملة والتظاهر بالتدين يحرص بعض من يعملون في الشأن العام على المشاركة في صلوات الجمعة والاعياد لتوظيف المشاركة سياسيا واعلاميا فيختارون المساجد التي تغطى شعائر الصلاة فيها اعلاميا. بعض هؤلاء الاشخاص يلاحقون الكاميرا او تلاحقهم في مشهد يكشف حجم التكلف والتمثيل. وكما في الصلاة والمناسبات الاجتماعية يحاول البعض ان يجسر الفجوة بين عاداته الخاصة والتقاليد بالرغم من عدم ايمانه بهذا الامر الذي يرفع من منسوب النفاق والتزلف والتقليد ويعزز حالة الفصام الناجم عن التباين بين المعتقدات والممارسات.
الحديث بلغة اجنبية في مناسبات لا وجود فيها لغير العرب وزج البعض لعشرات الكلمات والتعبيرات الأجنبية في الحوارات واللقاءات الاعلامية محاولات استعراضية يلجأ لها الافراد للتخفيف من حالة القلق وضعف الثقة بالنفس على امل ان يخرج السامع بانطباع ان الفرد أعمق مما يبدو.
الكثير من مقدمي ومقدمات البرامج الاذاعية والتلفزيونية يدارون فقرهم اللغوي والثقافي بتكرار كلمات وتعابير لا معنى لها مثل "أكيد" و"أيضا " و"كثير" ويعتبرون أن ذلك ضربا من ضروب الجذب والتقرب من المتلقي.
الغد 2018-03-23