لا يحدث إلا في أميركا
هذا الكلام ليس مجرد كلام، لأنه عن الولايات المتحدة التي يستميت كثير منا لزيارتها، أو للتعلم فيها / أو للهجرة إليها، فلولا الصهيونية التي كرهتنا لسياستها، لكنا وإياها كالسمن والعسل.
الكلام هنا عن سيطرة جمعية البندقية الأميركية (National Rifle Association) على أميركا إدارة وكونجرساً وشعباً بحجة تمثيلها للتعديل الثاني من الدستور (1971) الذي يؤكد حق الناس باقتناء السلاح وحمله دون عائق.
ولتمنع الكونجرس والناس من العمل على تعديل هذا التعديل أو إلغائه لما تسبب به من المآسي تقوم الجمعية بتمويل الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة والكونجرس في الدولة الفيدرالية والولايات، وكذلك أبحاث علماء النفس والاجتماع...، والصحفيين والكتاب المأجورين.
أخلاقياً: يصبح جميع متلقي التمويل مأجورين، أو على الأصح مرتشين ولكن الأخلاق الأميركية السياسية تعتبر ما يحصل عليه المرشحون من المتبرعين منحاً (donations) لا رشوة مع أن غاية المتبرعين تجيير قرارات الرئيس والشيوخ والنواب لصالحهم.
"إذا ما صُبَّ في القنديل زيتٌ
تحوّلت القضية للمزيت"
في كل مرة تحدث فيها عملية قتل جماعي للأطفال في المدارس أو للطلبة في الجامعات في أميركا، تنشأ حالة من الغضب الشديد تطالب بضبط اقتناء السلاح ينخرس فيها الرئيس وأعضاء الكونجرس الممولون من البنادق عن تأييد ذلك. كما ينبري العلماء والصحفيون والكتاب المأجورون إلى وضع الحق على عوامل أخرى غير اقتناء السلاح، فعندما قام تلاميذ المدرسة الأخيرة المنكوبة وذووهم والناس في ولاية فلوريدا بالتظاهر ضد حرية فوضى السلاح برز من يتهمهم بالتآمر على الحرية أو بالعمالة للحزب الديمقراطي.
لم ينبس الرئيس بكلمة ضد الجمعية أو ضد فوضى السلاح، لأنها تبرعت بثلاثين مليون دولار لحملته الانتخابية، وبملايين أخرى لغيره من المرشحين الجمهوريين للكونجرس في العاصمة والولايات، ولكنه يتظاهر تلفزيونياً بأنه معني بضبطه كما تفيد الجمعية أو لوبي السلاح التابع لها.
أمام الضغط التلميذي والشعبي المتعاظم الناجم عن مذبحة المدرسة اقترح الرئيس تسليح المعلمين والمعلمات ليحموا التلاميذ والتلميذات في المدارس، مدعياً أن أي تقييد للسلاح الشخصي انتهاك للتعديل الثاني للدستور.
لكن الاقتراح بتسليح المعلمين والمعلمات غبي وإن استعمله بعض المدارس، إذ كيف يكون التعليم والتعلم سالكين تحت تهديد السلاح؟ هل يضمن الرئيس عدم استخدامه في المدرسة أو عدم قيام تلميذ باستخدام سلاح أبيه، أو بنزعه من المعلم/ة واستخدامه ضدهما أو ضد زملائه؟ أو قيام المعلم/ة نفسه باستخدامه لنزوة سيطرت عليه؟
وبما أن الرئيس ذكي "بزنسيا" فهو يصرّ على هكذا اقتراح لأنه يزيد في مبيعات السلاح ، ويرضي الجمعية ويرد الجميل إليهـا ويحصل على المزيد من تمويلها في حملته للرئاسة مرة ثانية. ربما كان على الرئيس أن يجود أكثر على الجمعية فيدعو إلى اقتناء التلاميذ والتلميذات أنفسهم للسلاح لوقاية أنفسهم من المختلين عقلياً من زملائهم وأن ذلك أفضل لهم وأبقى. ولكن الأمور واضحة، وهي أن اقتناء المرء للسلاح يؤدي – عادة - إلى استخدامه.
إن جميع بلدان العالم تضبط اقتناء السلاح الشخصي ما خلا أميركا، التي لا يقع في غيرها ما يقع فيها من قتل يومي ومذابح جماعية نتيجة لذلك. إنه المتغير الوحيد المختلف عن بقية العالم وهو السبب الرئيس للعنف الأهلي فيها.
هذا هو النظام الأميركي القائم على الحرية الفردية، ورفض سلطة الدولة/ الحكومة الزائدة الموروثين من عهد المستوطنة/ المستعمرة المستقلة في كل شيء: بالبنك، والمدرسة، والكنيسة، والأمن، التي يبدو ان الدولة لا تستطيع أو لا تريد تغييره.
الغد 2018-03-23