عندما يتحدث القتلة عن العار!
السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي باتت تمثل حقا الكذب والانتهازية والعجرفة الأميركية بصورتها الصارخة والمستفزة للذوق السليم، ومجرد متابعة نشاطاتها وتصريحاتها وخطاباتها في مجلس الأمن يُمكِّن المراقب من رسم الصورة الحقيقية لإدارة ترامب المهووسة والمتطرفة في تعاطيها مع مختلف أزمات هذا العالم، حيث تمتلك هذه "الهالي" القدرة والموهبة على التعبير عن أبشع وأسوأ ما في السياسة الأميركية دون مساحيق أو تحفظات!
أول من أمس وقفت هيلي بكل صلافة وعنجهة القوة الأميركية أمام أعضاء مجلس الامن لتوبخهم بالقول "يجب أن يكون هذا يوم عار على جميع أعضاء هذا المجلس"، حيث "إن 1600 شخص قتلوا تحت أنظارنا في الغوطة الشرقية" منذ أن تبنى المجلس بالإجماع قرارا لوقف إطلاق النار في 24 شباط (فبراير) الماضي، محملة –طبعا- روسيا ونظام الاسد المسؤولية عن دماء هؤلاء الضحايا.
يبدو الخطاب، لمن لا يعرف السياسة الأميركية المزدوجة، أخلاقيا بامتياز، لكنه واقعيا يخفي خلفه كذبا وبحثا عن مصالح غير مشروعة لبلادها في مواجهة روسيا وعلى الأرض السورية. وهي وادارتها وكل حلفائها غير معنيين عند الحديث عن الضحايا الأبرياء في الغوطة بالإشارة الى أن بهذه المنطقة حربا حقيقية تجري مع ثلاثة تنظيمات مسلحة كبيرة تمدها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالأسلحة والدعم لاستنزاف سورية وروسيا، وتتجاهل، بل هي تريد أن تتجاهل، ان الضحايا المدنيين يسقطون على الجانبين وبأيدي كل الفرقاء، وكلهم يتحملون المسؤولية عن هذه الدماء والدمار!
كما أن هايلي وإدارتها المتطرفة، تتجاهل عددا كبيرا آخر من الضحايا الأبرياء والمهجرين المدنيين ممن يدفعون هم الآخرون ثمن حرب طاحنة اخرى تجري في منطقة قريبة من الغوطة هي عفرين ومناطق الاكراد بالشمال السوري على أيدي القوات التركية الغازية وميلشيات "الجيش الحر" المصنّع والمدعوم أميركيا وتركيا وخليجيا. طبعا هي ليست معنية ايضا بصواريخ "داعش" والنصرة و"جيش الاسلام" و"فيلق الرحمن" وغيرها التي تدك الآمنين بدمشق، بل إن بلادها وحلفاءها هم من يزود هؤلاء "الثوّار" بالسلاح والمال والرجال والخرائط.
لن نتحدث عن اليمن وما يسقط فيه يوميا من عشرات الضحايا الأبرياء والخراب الواسع الذي لف أرجاءه جراء الحرب المجنونة المشتعلة منذ سنوات، دون أن تحرك في هالي وإدارتها شعرة او تباكيا على المدنيين والاضطهاد.
إذا أردتم معرفة حقيقة هالي وساسة واشنطن دون رتوش أو مساحيق إنسانية أو فذلكات خطابية عن قانون دولي وانساني وشرعية دولية فاسمعوا هذه المتفذلكة هايلي وهي تتحدث عن اسرائيل واحتلالها للأراضي الفسطينية والعربية المحتلة، عندها تختفي رواية الضحايا والمدنيين والحقوق، وتغيب مفاهيم القانون الدولي والشرعية وقرارات مجلس الأمن الدولي، وتحضر الخرافة والتطرف وغطرسة القوة والمستعمر.
هنا؛ لن تتردد وريثة ثقافة الغرب الأميركي و"الكاوبوي" والتطهير العرقي ضد السكان الهنود الاصليين للولايات المتحدة، عن التكشير عن أنيابها لتهدد وتشتم دول العالم التي ستصوت ضد قرار رئيسها، المتحرش بالنساء وبالذوق العام، بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وبالعودة إلى مأساة الغوطة، فانه يوم عار حقا يجب أن يخجل منه الكثير من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة ممن أوصلوا هذا البلد إلى هذا الدرك من الدمار والدماء، عندما ركبوا حراك السوريين ونزوعهم للحرية والديمقراطية، ليضخوا فيها تنظيمات مسلحة ومتطرفة ويستثمروا في الإرهاب والقاعدة و"داعش" لتنفيذ اجندتهم بتقسيم سورية واستنساخ التجربة الليبية فيها وتصفية الحسابات مع ايران على أرضها. هو عار ما بعده عار عندما ضخّت أميركا وحلفاؤها الاقليميون عشرات المليارات من الدولارات ومئات آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر، ويسّرت تجميع كل متطرفي العالم ليقاتلوا في هذا البلد، والمقامرة بإدخاله في حلقة جهنمية من القتل والدمار!
نعم هو عارٌ على كل من يصدق كذبكم، ولمن ينظر لكلماتكم دون النظر لأفعالكم وجرائمكم!
الغد 2018-03-29