العودة لأجواء الحرب الباردة
في حركة غير مسبوقة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، قامت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بطرد ما يزيد على 15 دبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوروبية في إجراء تضامني مع بريطانيا.
قبل أيام عدة طردت بريطانيا 23 دبلوماسياً روسياً احتجاجاً على ما ادّعته بقيام روسيا باستخدام سلاح كيماوي في اغتيال عميل روسي سابق يعمل لحساب بريطانيا، الذي تمت مبادلته مع عميل بريطاني يعمل لحساب روسيا قبل فترة.
بالرغم من أن بريطانيا لم تقدم دليلاً قطعياً على أن روسيا هي التي قامت بذلك، إلا أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تبنت وجهة النظر البريطانية، وقامت بهذا العمل التضامني غير المسبوق.
هذا التضامن مع بريطانيا يأتي بالرغم من أنها خرجت من الاتحاد الأوروبي، وعلى خلفية خلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على العديد من القضايا، آخرها ما يتعلق بفرض ضرائب على بعض المنتجات الأوروبية المصدّرة لروسيا.
هذا الموقف الجماعي الذي من الواضح أنه إجراء عقابي ضد روسيا لا يمكن تفسيره من خلال حادثة الاغتيال (التي تعيشها روسيا) ولا من خلال الإدعاء بالتدخل الروسي بالانتخابات الأميركية والأوروبية. بالطبع، روسيا التي يبدو أنها تفاجأت بهذا الموقف الجماعي منها، سوف تقوم بالرد ثأراً لكرامتها بالأسلوب نفسه وقد يكون بالحجم ذاته.
يبدو أن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف الخطوة الأوروبية –الأميركية أبعد من محاولة اغتيال عميل سابق في بريطانيا، وإنما لها علاقة بالدور الروسي العسكري والسياسي المتصاعد: إقليمياً ودولياً.
بدايةً، لقد أثبتت روسيا بعد تدخلها في سورية أنها أصبحت اللاعب الأهم في منطقة الشرق الأوسط، إذ ساهمت بتغيير موازين القوى داخل سورية، وهمّشت الدور الأوروبي والأميركي في سورية والمنطقة. كذلك، فعلى المستوى السياسي، فإن روسيا حليفة لإيران وحزب الله في سورية، وهو المعسكر المعادي لأميركا بالمنطقة، لا بل إنها استطاعت أن تدخل بعلاقة تحالف معقدة مع تركيا عضو حلف "الناتو"، وحليف الولايات المتحدة الوثيق وبالقدر الذي تقترب فيه تركيا من روسيا، فإنها تبتعد عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي يمكن وصفها حالياً بأنها في أضعف حالاتها.
لا بد أيضاً من استذكار الأزمة الأوكرانية، وضم جزيرة القرم، هذه الخطوة التي لم يستطع الغرب إجبار روسيا على التراجع عنها بالرغم من كافة العقوبات الاقتصادية التي فرضها على روسيا، وما تزال الأزمة الأوكرانية بدون حل حتى الآن.
توقيت هذه الخطوة الجماعية ضد روسيا قد لا يكون مصادفة أيضاً، إذ يأتي بعد أسبوع من إعادة انتخاب بوتين رئيسا،ً وبنسبة كبيرة، وبانتخابات وصفت بأنها نزيهة. بوتين الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل روسيا، استطاع أن يرد الاعتبار للقومية الروسية التي وصلت الى الحضيض بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كذلك استطاع أن يرفع مقام روسيا سياسياً وعسكرياً لمصاف الدول العظمى.
خطورة هذا التصعيد يأتي في ظل عدم استقرار، وتشكل النظام العالمي، إذ كانت قواعد اللعبة معروفة، وكان الاتحاد السوفييتي وأميركا يتصرفان بطريقة محسوبة لا تؤدي الى الصدام المباشر، لكن الظروف تغيرت وخطوط الاشتباك أصبحت متداخلة في هذه المرحلة.
يبدو أن الهدف الحقيقي وراء هذا التصعيد الغربي مرتبط أكثر بالرغبة في تحجيم الدور الروسي سواء كان في سورية أو على المسرح العالمي، وتوجيه رسالة للحلفاء المحتملين وبخاصة الصين بخطورة الاقتراب أكثر، والتحالف مع روسيا ضد الغرب. من المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة الى صدام مباشر، ولكنها أقرب لمحاولة لتحجيم روسيا، وعدم السماح لها بإقامة تحالف عالمي مناهض للغرب.
الغد 2018-03-29