العودة لأجواء الحرب الباردة

تم نشره الخميس 29 آذار / مارس 2018 06:35 مساءً
العودة لأجواء الحرب الباردة
د. موسى شتيوي

في حركة غير مسبوقة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، قامت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بطرد ما يزيد على 15 دبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوروبية في إجراء تضامني مع بريطانيا.
قبل أيام عدة طردت بريطانيا 23 دبلوماسياً روسياً احتجاجاً على ما ادّعته بقيام روسيا باستخدام سلاح كيماوي في اغتيال عميل روسي سابق يعمل لحساب بريطانيا، الذي تمت مبادلته مع عميل بريطاني يعمل لحساب روسيا قبل فترة.
بالرغم من أن بريطانيا لم تقدم دليلاً قطعياً على أن روسيا هي التي قامت بذلك، إلا أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تبنت وجهة النظر البريطانية، وقامت بهذا العمل التضامني غير المسبوق.
هذا التضامن مع بريطانيا يأتي بالرغم من أنها خرجت من الاتحاد الأوروبي،  وعلى خلفية خلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على العديد من القضايا، آخرها ما يتعلق بفرض ضرائب على بعض المنتجات الأوروبية المصدّرة لروسيا.
هذا الموقف الجماعي الذي من الواضح أنه إجراء عقابي ضد روسيا لا يمكن تفسيره من خلال حادثة الاغتيال (التي تعيشها روسيا) ولا من خلال الإدعاء بالتدخل الروسي بالانتخابات الأميركية والأوروبية. بالطبع، روسيا التي يبدو أنها تفاجأت بهذا الموقف الجماعي منها، سوف تقوم بالرد ثأراً لكرامتها بالأسلوب نفسه وقد يكون بالحجم ذاته.
يبدو أن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف الخطوة الأوروبية –الأميركية أبعد من محاولة اغتيال عميل سابق في بريطانيا، وإنما لها علاقة بالدور الروسي العسكري والسياسي المتصاعد: إقليمياً ودولياً.
بدايةً، لقد أثبتت روسيا بعد تدخلها في سورية أنها أصبحت اللاعب الأهم في منطقة الشرق الأوسط، إذ ساهمت بتغيير موازين القوى داخل سورية، وهمّشت الدور الأوروبي والأميركي في سورية والمنطقة. كذلك، فعلى المستوى السياسي، فإن روسيا حليفة لإيران وحزب الله في سورية، وهو المعسكر المعادي لأميركا بالمنطقة، لا بل إنها استطاعت أن تدخل بعلاقة تحالف معقدة مع تركيا عضو حلف "الناتو"، وحليف الولايات المتحدة الوثيق وبالقدر الذي تقترب فيه تركيا من روسيا، فإنها تبتعد عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي يمكن وصفها حالياً بأنها في أضعف حالاتها.
لا بد أيضاً من استذكار الأزمة الأوكرانية، وضم جزيرة القرم، هذه الخطوة التي لم يستطع الغرب إجبار روسيا على التراجع عنها بالرغم من كافة العقوبات الاقتصادية التي فرضها على روسيا، وما تزال الأزمة الأوكرانية بدون حل حتى الآن.
توقيت هذه الخطوة الجماعية ضد روسيا قد لا يكون مصادفة أيضاً، إذ يأتي بعد أسبوع من إعادة انتخاب بوتين رئيسا،ً وبنسبة كبيرة، وبانتخابات وصفت بأنها نزيهة. بوتين الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل روسيا، استطاع أن يرد الاعتبار للقومية الروسية التي وصلت الى الحضيض بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كذلك استطاع أن يرفع مقام روسيا سياسياً وعسكرياً لمصاف الدول العظمى.
خطورة هذا التصعيد يأتي في ظل عدم استقرار، وتشكل النظام العالمي، إذ كانت قواعد اللعبة معروفة، وكان الاتحاد السوفييتي وأميركا يتصرفان بطريقة محسوبة لا تؤدي الى الصدام المباشر، لكن الظروف تغيرت وخطوط الاشتباك أصبحت متداخلة في هذه المرحلة.
يبدو أن الهدف الحقيقي وراء هذا التصعيد الغربي مرتبط أكثر بالرغبة في تحجيم الدور الروسي سواء كان في سورية أو على المسرح العالمي، وتوجيه رسالة للحلفاء المحتملين وبخاصة الصين بخطورة الاقتراب أكثر، والتحالف مع روسيا ضد الغرب. من المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة الى صدام مباشر، ولكنها أقرب لمحاولة لتحجيم روسيا، وعدم السماح لها بإقامة تحالف عالمي مناهض للغرب.

الغد 2018-03-29



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات