هل نسيت كارين بيرس أكاذيب طوني بلير؟
بكثير من «الاستعلائية»، تحدثت كارين بيرس في مجلس الأمن الدولي، مفندة أطروحة نظيرها الروسي، في الجلسة التي عقدت أمس الأول بطلب من موسكو ... كلمة مندوبة بريطانيا كانت مفعمة بالادعاءات القيمية والأخلاقية، لكأن السيدة الصارمة، نسيت، أو أرادت أن تتناسى، أن وقتاً طويلاً لم يمض بعد، على حكومة أكبر كذاب في السياسة الدولية، طوني بلير، الرجل الذي تورط في فبركة وتلفيق ما سمّاه «أدلة قاطعة»، على تورط نظام الرئيس الراحل صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شامل، والاحتفاظ بصلات مع تنظيم القاعدة الإرهابي.
لم ينس الشعب العراقي، وشعوب منطقتنا، أن الحكومة البريطانية، بمستوييها السياسي والأمني، تورطت في «الكذب» و»التدليس» على الرأي العالم البريطاني والمجتمع الدولي، في عمل أقرب إلى أساليب المافيات والعصابات الجرمية، كانوا يكذبون، ويعرفون أنهم يكذبون، لم يكذب عليهم أحد، ولم يكونوا ضحية لمؤامرة من أحد ... حكومة طوني بلير وإدارة جورج بوش الابن، كانتا ذاهبتين إلى الحرب، وقد اتخذتا القرار بإشعالها مسبقاً، ولم يكن ينقصهما سوى مسلسل الأكاذيب الذي نطق به طوني بلير في لندن، وردد صداه كولن بأول في مجلس الأمن الدولي.
حرب دفع العراق والمنطقة، أكثر من مليون ضحية ثمنًا لها ... من دون أن يرف جفن لهؤلاء، ومن دون أن تقودهم «منظوماتهم القيمية والأخلاقية» لتقديم اعتذار للضحايا، أو للتعبير عن الأسف والندم ... سياسيون من طينة هؤلاء، ومن بينهم المندوبة البريطانية الدائمة في مجلس الأمن، ليسوا مؤهلين للإلقاء المحاضرات في القيم والأخلاق والحرية والديمقراطية والعدالة، ليست لديهم المرجعية الأخلاقية للتصرف بهذه الاستعلائية والعجرفة، لا في مجلس الأمن ولا خارجه.
من أطلق وعد بلفور الجائر، وذهب إلى حرب كونية ضد العراق دون مبرر، لن يضيره أن يشعل حرباً دبلوماسية ضد روسيا، ودائماً بالتواطؤ مع ساداتهم في البيت الأبيض، من أجل تهشيم صورة روسيا وتهشيم المكاسب التي حققتها في سوريا، والأهم، للخروج من مأزق البريكست وتآكل شعبية تيريزا ماي ووزير خارجيتها بوريس جونسون، الرجل الذي ينتمي إلى مدرسة دونالد ترامب، شكلاً ومضموناً.
ليست روسيا منزهة أخلاقياً وقيمياً عن مقارفة أعمال من نمط ما حصل في سالزبري، ولا أنا هنا بصدد إطلاق أحكام حول الجهة المسؤولة عن محاولة التسميم الآثمة للعميل المزدوج وابنته ... لكن المواعظ التي ألقت بها بيرس، مفترضة أننا من كوكب آخر، وأن ذاكرتنا مثقوبة، تبدو مستفزة للغاية، سيما أنها وحكومتها، متورطة في إطار الحلف الانجلو- ساكسوني، في تعطيل التحقيق الدولي النزيه والمحايد في استخدامات السلاح الكيماوي في سوريا، ودائماً بهدف التغطية على جرائم العصابات المسلحة، وإبقاء النظام وحده في قفص الاتهام، وحتى بعد أن عرضت على الملأ، مختبرات الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية وغيرها.
لم أر لائحة اتهام بحجم تلك الموجهة إلى موسكو، والكرملين، وبوتين شخصياً في قضية سكريبال، مدججة بمفردات من نوع «قد» و»من المرجح» و»على الأغلب» و»من المحتمل» ... لم أر دولة في العالم تتهم دولة كبرى أخري بجريمة بحجم استخدام الكيماوي، وتطلب إليها اثبات براءتها، بدل أن تبادر هي بالذات، إلى تقديم الأدلة الدامغة على ضلوع موسكو في الجريمة، لكأننا هنا نتحدث عن جزر الفوكلاند، وليس عن دولة عظمى بحكم روسيا.
الدستور - السبت 7/4/2018