أموال الضمان في مهب الفتاوى
ماذا فهمتم من الفتاوى القانونية، بل ومن تصريحات المسؤولين في الحكومة والضمان الاجتماعي حول المسؤولية عن إدارة أموال الضمان؟! أنا فهمت أولا أن التحرير الصحفي ليس معنيا أن يفهم ولا أن يفهم الناس، وثانيا أن نزاعا خفيا يدور حول سلطة القرار. وأنقذنا تقرير الزميل محمود الطراونة في "الغد" يوم أمس، بتقديم الرواية كاملة لما حدث.
لقد تم إنشاء صندوق مستقل لاستثمار أموال الضمان له مجلس إدارة ورئيس وهو يضع السياسات العامّة والاستثمارية ويرفعها لمجلس إدارة الضمان لإقرارها. لكن هل يجب أن يخضع القرار الاستثماري المباشر لموافقة مجلس إدارة الضمان؟ يبدو أن خلافا نشب حول ذلك فصدرت فتوى العام 2015 من ديوان التشريع والرأي في رئاسة الوزراء باستقلالية الصندوق بأخذ القرار الاستثماري من دون الرجوع لمجلس إدارة الضمان ومن دون أخذ موافقته.
لكن ديوان تفسير القوانين الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز، وردا على سؤال، أعطى تفسيرا مغايرا في 31/1/2018، يقول إن القرار الاستثماري لمجلس الصندوق يجب المصادقة عليه من مجلس إدارة الضمان. هذه الفتوى أعقبتها فتوى أخرى في 18/3/2018 تقول شيئا مناقضا، وهو أن القرار الاستثماري للصندوق لا يحتاج إلى مصادقة مجلس إدارة الضمان، ويتم تبرير التناقض مع الفتوى الأولى بالقول إن مصادقة مجلس إدارة الضمان على السياسة الاستثمارية تعد ضمنا موافقة على أي قرار استثماري لاحق. مهما يكن فهذا التفسير يعني عمليا أن إدارة الصندوق ستكون حرة بأخذ القرار الاستثماري، أي الشراء أو البيع أو الإنفاق على أي استثمار، ومن حق مجلس الإدارة فقط الاعتراض على القرار لاحقا اذا رأى أنه يخرج على السياسة الاستثمارية العامّة المقررة.
من وجهة نظري، إن هذا خطير لأنه يعيدنا الى المخاطر نفسها بوجود جهة منفردة تتصرف بأموال الضمان. جهة لا نضمن أن تكون دائما بمنأى عن الأهواء والمصالح والمؤثرات. ولحمايتها من الانحراف، لا بد من وجود مرجع لإجازة القرار يتمتع بالشرعية التمثيلية وهو بالطبع مجلس إدارة الضمان الذي تمثل فيه الجهات المشتركة وصاحبة المال مثل النقابات العمالية وأصحاب العمل والحكومة...الخ. ولا يمكن تخيل أن أصحاب المال لا سلطة لهم على الجهة الفنية التي أنيطت بها مسؤولية إدارة المال. طبعا كان القرار صحيحا بسحب مسؤولية القرار المالي والاستثماري التنفيذي من يد إدارة الضمان لصالح جهة مهنية فنية مع بقاء مسؤوليته الرقابية لتحقيق التوازن. هذا التوازن يمنع الانحراف ويعظم المسؤولية والحرص. وقد يقال إن شرط موافقة مجلس إدارة الضمان يعيد سلطته وتدخله ويعيق سلطة الصندوق فنردّ بأنه يمكن وضع نظام وتعليمات دقيقة ومفصلة لمنع ذلك وضمان أن يحقق شرط إجازة القرار من مجلس إدارة الضمان غاياته النزيهة بالرقابة العادلة وليس الإعاقة لغايات غير مشروعة.
يوجد سيدتان الآن تقفان على رأس أضخم تجمع لأموال الأردنيين والأجيال المقبلة (موجودات بقيمة تصل الى تسعة مليارات)، هما ناديا الروابدة وسهير العلي، ولعلهما تنتميان الى مدرستين مختلفتين، وأرجح أن العلي وهي على رأس الصندوق تؤيد استقلاليته الكاملة بالقرار، بينما الروابدة (بسبب موقعها على الأقل) لا ترضى بتفرد الصندوق بالقرار الاستثماري. وقد حاولت أمس، ولم أفلح، بالاتصال بالروابدة ومعرفة رأيها، هي الآن في موقف حساس مع قرب انتهاء ولايتها، وقد قرأت مداخلات، حتى من معارضين، تشيد بأدائها وتدعو لبقائها.
وبعيدا عن الشخصنة، فعلى الحكومة أن تبحث وتقرر، فتصريح وزير العمل عن الالتزام بالقانون لا يعني شيئا بعد التفسيرات المضطربة للقانون. ثمة حاجة الى إعادة صياغة دقيقة ومفصلة لتوازن المسؤوليات عن أموال الضمان.
الغد - الجمعة 6/4/2018